ضبط استهلاك الكهرباء في المخيمات “مستحيل”: تبرير لفشل خطة “زيادة التعرفة” وقرار دولي مفقود
لا توجد أرقام نهائية حول استهلاك المخيمات للطاقة، ولكن قُدّرت قيمة الفواتير المستحقة من المخيمات تقريباً بنحو ٤٤٤ مليون دولار و١٨٢ دولار من الفواتير العامة غير المحصلة.
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
بعد أن تغاضت الدولة اللبنانية لسنوات عن ملفّ ضبط استهلاك الكهرباء في المخيمات الفلسطينية واماكن تجمع النازحين السوريين، كان لافتاً ترؤس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتماعاً مع المعنيين بشؤون النازحين السوريين- الأمم المتحدة واللاجئين الفلسطينيين – الأونروا، وتمحور النقاش حول وجوب معالجة موضوع دفع فواتير استهلاك السوريين والفلسطينيين للكهرباء إذ “ليس مطلوباً من اللبنانيين أن يغطوا كلفة استهلاك السوريين والفلسطينيين، وعلى كل طرف أن يغطي كلفة استهلاكه” على حد تعبير وزير الطاقة وليد فياض، لا سيما أنه “يجب دفع ثمن الكهرباء لأن لها كلفة هي كلفة الإنتاج والتوزيع والصيانة والرواتب، ويجب تغطيتها من خلال تعرفة الكهرباء.”
لم يخرج الإجتماع بنتيجة سوى بتشكيل لجنتين فنيتين، الأولى تعنى بموضوع مخيمات السوريين لدفع المستحقات المتوجبة عليهم، وقد أتمت مؤسسة كهرباء لبنان وضع نحو 900 عداد في تلك المخيمات، واللجنة الثانية تعنى بموضوع اللاجئين الفلسطينيين. وهي نتيجة لا يعوّل عليها وفق ما أكدته مصادر معنية لموقع “هنا لبنان” إذ اعتادت المؤسسات والإدارات الرسمية اللبنانية تشكيل اللجان عند استعصاء أي ملف فكيف الحال إذا كان يتعلق بمعضلة لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة من معالجتها يوماً ومن وضع الترتيبات التقنية التي تسمح بضبط استهلاك المخيّمات وجباية الفواتير، وكلنا يعلم أنها مهمّة لم يتم تنفيذها لعقود، على مستوى المشتركين اللبنانيين، فكيف ستتحقق في المخيّمات؟
وفي وقت لا توجد فيه أرقام نهائية حول استهلاك المخيمات للطاقة، قُدّرت تقريباً قيمة الفواتير المستحقة من المخيمات بنحو ٤٤٤ مليون دولار و١٨٢ دولار من الفواتير العامة غير المحصلة. تشير المصادر إلى أن موقف المنظمات الدولية خلال الاجتماع لم يكن حاسماً في ظل عدم تأكيدها رصد الأمم المتحدة التمويل اللازم لدفع فواتير الكهرباء حتى أنها لم تُشر إلى نيّتها رفع المطالب اللبنانية إلى الجهات التي يمثّلونها. بل كل ما في الأمر أنهم أبدوا استعدادهم لمعالجة هذا الموضوع والسعي لإيجاد الحلول. وفي المحصلة كان اجتماع “لفت نظر للوضع الطارئ لهذا الملف” لا أكثر ولا أقل.
وقد تضمنت ورقة الدولة اللبنانية إلى مؤتمر بروكسل حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة نقاطاً تتصل بانعكاس أزمة النزوح على ملف الطاقة في لبنان، وفيها تأكيد أن “التحدي الأكبر هو أزمة الطاقة لعدم التمكن من شراء الكهرباء أو الغاز من دول أخرى مع الأخذ بعين الاعتبار زيادة استهلاك النازحين السوريين للكهرباء والمياه وعدم دفع معظمهم البدل المطلوب لقاء هذه الخدمات.”
وفي الورقة دعوة من قبل الحكومة اللبنانية خلال المؤتمر، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والاونروا لدعم وزارة الطاقة والمياه في وضع عدادات الدفع المسبق للكهرباء والمياه لقياس مقدار استهلاك النازحين السوريين لهذه الخدمات، طالبة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسف الاستثمار في قطاع الطاقة البديلة بتركيب نظام الألواح الشمسية ما يخفف الضغط في قطاعي الطاقة والمياه خصوصاً أن التمويل الدولي السنوي في قطاع الطاقة في خطة لبنان للاستجابة للأزمة متدنٍّ جدًّا وهو لم يتعدّ 2 % .
وأمام الاستفاقة المفاجئة بعد التغاضي لفترة طويلة يطرح سؤال حول الهدف من وراء تحريك هذا الموضوع في ظل عدم القدرة على التنفيذ فهل يدخل ضمن خانة “البهورة ” لتحصيل الفواتير؟
بيضون: مسرحية تجاه الداخل والخارج
في هذا السياق يؤكد المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة غسان بيضون لموقع “هنا لبنان” أن الأمل ضعيف جداً بتحصيل الفواتير من المخيمات، خصوصاً أنه ملف مزمن من الصعوبة معالجته، وقد تحدث أكثر من مسؤول لبناني عن لا حماسة لدى المؤسسات الدولية لأي معالجة قريبة.
ورأى بيضون أن الإدارة الجيدة هي التي تخطط وتؤمن ظروف النجاح قبل أن تطلق وعوداً وتضع أهدافًا. وما حصل اليوم هو بعيد كل البعد عن هذا المبدأ إذ تم رفع التعرفة أولاً من دون أي تمهيد أو تحضير للظروف. والجميع يعلم أن الهدر والاستهلاك غير الشرعي للطاقة والتعليق على الشبكة يضاف إلى ذلك معضلة وجود نازحين ومخيمات، موضوع شائك وصعب كما أنه مزمن ومرهق مالياً. وأكد أن قرار رفع التعرفة سيؤدي إلى زيادة التعليق على الشبكة. وفي هذا الإطار شدد على أن كل ذلك يدل إلى سوء إدارة وتقدير فيما الهدف الوحيد هو فرض بدل تأهيل لتأمين استمرارية الهدر في المؤسسة لمقدمي الخدمات وللتشغيل والصيانة. لافتاً إلى أنه تم تبرير زيادة التعرفة بزيادة التغذية التي لم تتحقق إلا أن زيادة التعرفة استمرت وفي المحصلة تم التراجع عن كل الأسس التي بني عليها رفع التعرفة.
ورأى بيضون أن الأرقام المتداولة عن الاستهلاك في المخيمات بمثابة وجهة نظر ومستغربة ويتم نشرها لإقناع الناس بامكان تحصيل الأموال بشكل كبير.
ولفت هنا إلى الأرقام التي تداولها الوزير سيزار أبي خليل في العام 2016 لناحية مخيمات النازحين السوريين تستهلك نحو 500 ميغاوات وتكلف الدولة ما يوازي 335 مليون دولار تقريباً. وقد تم احتساب هذا المبلغ في وقت كانت تصل ساعات التغذية إلى نحو 12 ساعة يومياً. وبالتالي كيف يعلنون اليوم أن استهلاك النازحين يقدر بـ 400 مليون دولار على رغم انخفاض ساعات التغذية لتصل إلى ساعتين أو أربعة يومياً. هناك عملية غش في إعلان الأرقام كما أن المؤسسة والوزارة لا تكترثان لتحقيق التوازن المالي الذي تم استحضاره في محاولة الضغط على الأمم المتحدة لتغطية كلفة كهرباء المخيّمات، وهو ما لن يؤتي ثماره لأن فشل مشروع رفع التعرفة واضح خصوصاً أنه لم تتمكن الوزارة والمؤسسة من عرض صورة صحيحة عن كيفية تحقيق هذا التوازن، إذ أن الأرقام غير واضحة خصوصاً أنه لم يتم العمل على ضبط النفقات التي فيها الكثير من الهدر وبالتالي رفع التعرفة سيخفض من الإيرادات بدل أن يزيدها. وكلنا نعلم أن استمداد الطاقة غير الشرعي والتعليق على الشبكة يستنزف مالية المؤسسة منذ سنين وبنسب عالية. فكيف يُتخذ بأسوأ الظروف قرار رفع التعرفة؟ ماذا تتوقعون أن تكون ردة فعل المستهلك؟ بطبيعة الحال الرفض وعدم التجاوب ورأينا النتيجة كيف سارع الناس إلى إلغاء اشتراكاتهم في مؤسسة كهرباء لبنان ولجأوا إلى تركيب الطاقة الشمسية.
لذلك أكد بيضون أن التحرك اليوم نحو مخيمات النازحين هو لتبرير فشل خطتهم غير المقنعة في زيادة التعرفة بعد أن وضعوا شروطاً غير قابلة للتنفيذ.
وفي السياسة بحسب بيضون لا نية للانفراج حالياً، والمؤسسات الدولية ترضخ لهذا التوجه من جهة كما أنها من جهة ثانية غير قادرة على تغطية استهلاك الطاقة. لافتاً في هذا الإطار إلى أن هناك فواتير منسية في مؤسسة كهرباء لبنان منذ عقود حتى أن هناك فواتير على قوات الردع العربية.
بيضون وضع كل هذه التحركات في إطار “التعجيز ورفع العتب”. هي مشاهد مسرحية للقول للمؤسسات الدولية إننا نقوم بجهد باتجاه الإصلاح. منطلقاً من مثل تركي يقول “مش مهم خديجة مهم نتيجة”، يشدد بيضون على أن النتيجة المالية لكل هذه التحركات “صفر”.
لا شك أنه ملف طويل الأمد، ستستمر المحاولات، والأبعاد السياسية لهذا الملف سترخي بظلها على أي قرار مستقبلي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |