الإنتخابات الرئاسية: معركة الخيارات السياسية
كتب فيليب أبي عقل لـ”Ici Beyrouth“:
بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي وقّع في بكين، يعيش حزب الله مرحلة من عدم اليقين، ويتجلى ذلك في مواقف الحزب المتناقضة والتي تزيد من المخاوف حول مستقبل المنطقة. ويعكف الحزب على لعب ورقة الانتخابات الرئاسية، في محاولة لإعادة إنتاج سيناريو العام 2016 حيث تولى العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية. لكن الحال اليوم أبعد ما يكون عن الأمس، والمعارضة أعلنت ذلك بوضوح تام.
ففي العام 2016، كان الحزب في ذروة قوته على الساحة اللبنانية مستفيداً من الدعم المحلي والخارجي ومن المساعدة الكاملة التي وفرتها إيران. أما اليوم فهو عاجز تكرار “السيناريو” نفسه، إذ تغير الوضع ولم يعد للحزب شريك وطني مع كسر التيار الوطني الحر لتحالفه معه وانضام وليد جنبلاط إلى المسيحيين وتعليق رئيس الوزراء السابق سعد الحريري العمل السياسي.
بالإضافة إلى أن التيار الوطني الحر كان يمثل في العام 2016 قوة مسيحية وبرلمانية كبيرة، وكانت الظروف المعيشية تعتبر جيدة وآمنة نسبيًا، بعكس الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها اليوم.
كل ذلك بتمكين ميشال وفي ذلك الوقت، ساهم كل ذلك بانتخاب ميشال عون بصفته زعيماً مسيحياً، وإبرامه اتفاقاً مع الزعيم السني سعد الحريري والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والكتلة الشيعية القوية لحسن نصر الله والشخصية المسيحية البارزة لسمير جعجع والحصول على دعم بكركي نظراً لدورها الوطني والأخلاقي. لكن كل شيء اختلف اليوم وفق تأكيد المعارضة. فالمسيحيون اليوم يعارضون ترشيح سليمان فرنجية، مرشح الثنائي الشيعي. وينتظر السنة الإشارة من السعودية بينما قرر وليد جنبلاط دعم جهاد أزعور، مرشح الكتلة التي شكلتها القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر والكتائب.
ووفقاً المعارضة، من شأن كل هذه العناصر أن تضعف الإجماع الوطني حول فرنجية، على عكس ما حدث في العام 2016 مع العماد ميشال عون. وبالتالي، لم يعد حزب الله في وضع يسمح له بفرض مرشحه بالقوة وضمان وصوله لبعبدا، ناهيك عن تأمين التوافق الوطني حوله. بالنتيجة، يستخدم الحزب الترهيب لإخافة خصومه ودفعهم للتراجع وللاستسلام والقبول بخياره.
ولذلك اعتمد الثنائي الشيعي التعطيل في 11 جلسة انتخابية رئاسية من خلال التصويت بورقة بيضاء ضد مرشح المعارضة ميشال معوض الذي اعتبره مرشح تحدٍّ، دون الكشف عن اسم مرشحه خلال تلك الفترة. ولا شك بأنّ المرشح هذا كان معروفاً لكنه لم يعلن عنه (أي سليمان فرنجية). ثم لاحقًا بعد إعلان اسم المرشح رسميًا، انقلب الحزب على المعارضة متهمًا إياها بالفشل في تسمية مرشحها الجديد. وبعد انضمام الفصيل المسيحي المعرقل (أي التيار الوطني الحر في هذه الحالة) لصفوف المعارضة في دعم ترشيح جهاد أزعور، اعتبر الحزب هذا الترشيح مناورة لهزيمة فرنجية وكثّف هجماته الشرسة، لا سيما ضد جنبلاط وباسيل، معتبراً أنهما سهلا الاتفاق حول ترشيح جهاد أزعور. وبالفعل، أعاد باسيل مدفوعاً بعداوته تجاه فرنجية، توحيد قوى 14 آذار والتحق بها. وهكذا، انتهى الحزب باتهام جنبلاط وباسيل بخيانته.
كما ساهم إعلان نبيه بري عن ترشيح سليمان فرنجية وتأييد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بظهور موقف فرنسي مؤيد لفرنجية بحجة أن الترشيح يبرز كـ “حل ممكن”.. وأثار هذا الموقف استياء الشارع المسيحي بشدة واعتبر هذا الأخير أن الرئيس إيمانويل ماكرون استبدل المواقف التاريخية لفرنسا من لبنان لاعتبارات تجارية. وعليه، نظم الرئيس الفرنسي زيارة البطريرك الراعي للفاتيكان وباريس لتوضيح الموقف، خصوصاً وأن المسيحيين والمعارضة أبلغوا الراعي بموافقتهم على تعيين جهاد أزعور، مما عزز موقفه وهو الذي يظهر أصلاً على لائحة بكركي.
وفي كل من الفاتيكان وباريس، أعرب مسؤولون عن قلقهم للراعي: “نحن قلقون على مصير لبنان بالنظر إلى المعلومات المؤكدة التي تشير إلى عدم رغبة الحزب بانتخاب رئيس. يبدو أن الحزب عزم على اختيار الفوضى وانهيار لبنان”. وبعد أن علم بوجود قائمة بأسماء تشمل فرنجية وأزعور والعديد من المرشحين المقبولين، طلب مسؤول فرنسي من المطران الراعي التواصل مع القوى السياسية ولا سيما الثنائي الشيعي للاتفاق على اسم جديد ضمن اللائحة. كما أصر على ضرورة انتخاب رئيس بسرعة “للحفاظ على وجودكم في السلطة وفي المنطقة”، وشدد المسؤول الفرنسي نفسه على القول: “حافظوا على مكاسبكم ولا تخسروا ما تبقى لكم”.
وبالفعل، يطالب بعض المدفوعين بفيض قوتهم بما يعتبرونه امتيازًا للمسيحيين، ويأملون التناوب على مستوى الرئاسات والمناصب الإدارية الرئيسية، فضلاً عن ترسيخ المكاسب التي حققوها، من خلال سلاحهم، في الدستور كما حدث مع السنة في الطائف؛ على سبيل المثال، توكل وزارة المالية بشكل عام للشيعة ويرغب البعض الآن بترسيخ هذه الممارسة من خلال إدراجها بشكل نص مكتوب في الدستور.
بناءً على هذه المعطيات، ينتقد زعيم سيادي نهج بعض القوى السياسية في ملف الانتخابات الرئاسية ويعلن أن المعركة ليست حول الأسماء بل حول الخيارات السياسية. الانتخابات ليست صراعا طائفياً بين الموارنة والشيعة، بل هي انتخابات وطنية تهم الجميع. لذلك، من الضروري التحرك باتجاه مرشح مستقل وتوافقي. ومن أجل تحقيق ذلك، لا بد من انتظار مفاعيل الاتفاقين السعودي-الإيراني والأميركي-الإيراني، قبل فك عقدة الانتخابات الرئاسية اللبنانية. ويطمح المجتمع الدولي للبنان جديد.. لبنان محايد يقف بمعزل عن صراعات الآخرين ويضع سلاحه تحت سيطرة الدولة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشكل نهائي.
وقد دق ناقوس الخطر مؤخراً أحد الوزراء السابقين الذي حذر من التعطيل الحالي: “إذا لم تحل الأزمة الرئاسية، سيفقد المجتمع الدولي ثقته بلبنان وسيضع حداً لمساعداته. وعندها ستبقى البلاد على الهامش تراقب ترسيخ عملية الاستقرار والسلام الشامل في المنطقة على أمل أن تلحق بالركب في يوم من الأيام”.