الرواية الكاملة: من هو الطباخ الذي استدرج بوتين بـ”النقانق”.. ولماذا تمرّد على “حماية البابا”؟
من دون سابق إنذار، تصدّرت مجموعة فاغنر الروسية العناوين، وذلك بعد انتشار رسالة صوتية لقائدها يفغيني بريغوجين عبر “تلغرام”، يؤكد بها أنّه ومجموعته مستعدّون للموت من أجل الوطن الأم ومن أجل تحرير الشعب الروسي أيضاً.
وأعلن بريغوجين، الذي يملك مجموعة تضمّ 25 ألف مقاتل روسي، التمرّد على التسلسل الهرمي العسكري، مرحباً بكل من يريد الانضمام إليه ومشدداً على أنّ ما يقوم به ليس تمرداً بقدر ما هو عملية تهدف لتحقيق العدالة.
وتأتي هذه التطوّرات إثر اتهام بريغوجين يوم أمس، الجيش الروسي بقصف معسكرات تابعة لقواته، ما أدّى إلى سقوط عدد كبير من القتلى، واصفاً من قاموا بهذا الاعتداء بـ”الخونة”.
إلى ذلك نفت وزارة الدفاع أن يكون الجيش قد قصف قوات فاغنر في أوكرانيا، واصفة التصريحات الصادرة بـ”الاستفزازية”.
وكانت الشهور الماضية، قد كشفت عن خلافات عدّة بين “فاغنر” والجيش الروسي، إذ هدّد بريغوجين في شهري نيسان وأيار بانسحاب عدد من مسلحيه من جبهة باخموت – شرقي أوكرانيا، في حال لم يمدّهم الجيش الروسي بالذخيرة اللازمة.
من سينتصر في معركة “الأشقاء”!
مما لا شكّ أنّ الكفة في هذا الصراع “الأخوي”، تميل إلى الجيش الروسي، غير أنّ هذا لا يعني أنّ المعركة ستكون سهلة، سيّما وأنّ عناصر “فاغنر” معتادون على قتال الشوارع ومتدرّبون جيداً.
وكانت المجموعة قد شاركت في الحرب الأوكرانية، كما انخرطت في صراعات إقليمية، في العديد من الدول الإفريقية والشرق أوسطية.
أما الجيش الروسي، فهو ثاني أقوى جيوش العالم وتعتبر الترسانة العسكرية الروسية بقدراتها المختلفة محل فخر الحكم في روسيا، غير أنّ كلّ تلك القوّة لم تظهر في أوكرانيا، حيث بدا جلياً عدم جهوزية الجيش الروسي سيّما في الأسابيع الأولى للهجوم.
من هو طبّاخ الرئيس الذي تمرّد عليه؟
ولد بريغوجين (62 عاماً) في لينينغراد، المعروفة حالياً بسانت بطرسبورغ، كان عنيفاً منذ الطفولة، ووفق وثائق أشارت إليها الغارديان، فقط سطا وهو في الـ18 من العمر على امرأة وسرقها مع مجموعة من الرفاق، وتوالت السرقات حتى حكم عليه بالسجن 13 عاماً.
في العام 1990 ومع انهيار الاتحاد السوفيتي أطلق سراحه، فعاد إلى سان بطرسبورغ حيث بدأ بيع النقانق في مطبخ شقّة عائلته المتواضع.
مع الوقت استطاع بريغوجين امتلاك حصّة في سلسلة من المتاجر الكبرى، ثمّ فتح في العام 1995 مطعماً مع شركائه.
في البداية، أغرى بريغوجين زبائنه بـ”راقصات متعريات”، ثم عاد عن هذا الأمر بعدما شاع أنّ طعامه ممتاز، وقصده النجوم ورجال الأعمال، ورئيس بلدية سان بطرسبورغ آنذاك، أناتولي سوبتشاك، والذي كان يأتي أحيانًا مع نائبه آنذاك فلاديمير بوتين.
وكان الشاب الطامح صديقاً أيضاً لعازف التشيلو الشهير مستيسلاف روستروبوفيتش، وحين استضاف روستروبوفيتش ملكة إسبانيا في منزله في سان بطرسبورغ عام 2001، قدم بريغوجين الطعام.
مع وصول بوتين إلى الرئاسة الروسية، كان يصطحب أحياناً الشخصيات الأجنبية المرموقة التي يقابلها إلى مطعم بريغوجين الذي تحوّل في تلك المرحلة إلى مطعم عائم.
وإثر ذلك، بدأ بريغوجين يفوز بعقود لتقديم الطعام في مناسبات حكومية كبرى من خلال شركة كونكورد، وهي شركة قابضة أنشأها في التسعينات.
وفي العام 2012 حقّق من خلال هذه العقود أكثر من من 10.5 مليار روبل (200 مليون جنيه إسترليني).
من بائع نقانق إلى قائد مجموعة عسكرية
برز اسمه لأول مرّة في صيف 2014، مع الغزو الروسي الأوّل لشرق أوكرانيا، حينها عقد اجتماع بين وبينه مجموعة من كبار المسؤولين الروس في مقر وزارة الدفاع، وحضر الجميع لمقابلته باعتباره المسؤول عن عقود تموين الجيش.
غير أنّ بريغوجين فاجأهم بطلب غريب، إذ طلب من وزارة الدفاع أرضاً يستخدمها لتدريب متطوعين لا يرتبطون رسمياً بالجيش الروسي ويمكن استخدامهم في حروب روسيا.
وعندما تحفظ القادة على طلبه، كان جواب بريغوجين “هذه أوامر البابا”، أي الرئيس بوتين.
بعد هذا الاجتماع، بدأت مجموعة فاغنر بالتوسع في ساحات الحروب الخارجية، خاصة الإفريقية، وصولاً إلى الجبهات في أوكرانيا.
عرف بريغوجين بين مقاتليه بـ”عديم الرحمة”، ووفق عارفيه فإنّ هدفه لم يكن لا المال ولا السلطة، علماً أنّه نال الإثنين، فهؤلاء أكّدوا أنّه يرغب في سحق منافسيه إضافة إلى إيمانه بأنّه يحارب الفاسدين.
تطورات سريعة
أعلن بريغوجين اليوم السبت، السيطرة على المنشآت العسكرية في مقاطعة روستوف بما فيها المطار العسكري، مهدّداً بالتوجه إلى موسكو.
وأشار إلى إسقاط مروحية للجيش حاولت قصف قواته المتجهة إلى روستوف، مؤكداً أنّ قواته ستعود للقتال في أوكرانيا بعد تحقيق العدالة.
ونشرت حسابات تابعة لمجموعة “فاغنر” صوراً لبريغوجين تظهره هو ومجموعته داخل مقر القيادة العسكرية الجنوبية في روستوف.
كما نشرت وسائل إعلام روسية صوراً لدبابات توّجه أسلحتها نحو مبنى القيادة العسكرية الجنوبية.
من جهتها أعلنت لجنة “مكافحة الإرهاب” الروسية فرض ما تسميه نظام مكافحة الإرهاب بالعاصمة ومقاطعة موسكو، وتمّ تشديد الإجراءات الأمنية، حيث أغلق الطريق السريع “إم-4” الذي يربط موسكو بالمقاطعات الجنوبية على مسافة 400 كيلومتر جنوب العاصمة. فيما أوضح حاكم مقاطعة ليبيتسك الروسية أنّ حركة المرور على طريق “إم-4” قد توقفت عند الحدود الإدارية مع مقاطعة فورونيغ.
إلى ذلك دعت وزارة الدفاع الروسية مقاتلي فاغنر لإنهاء التمرد، وعدم الانخراط بما أسمته “مغامرة بريغوجين الإجرامية”، موضحة أنّها ستقدّم المساعدة في عودتهم لنقاط انتشارهم وستضمن أمنهم.
فيما دعا نائب قائد القوات الروسية بأوكرانيا، الجنرال سيرغي سوروفيكين، قوات وقيادات فاغنر للتوقف والعودة لقواعدها.
في حين أصدر جهاز أمن الدولة الروسي بياناً دعا فيه مقاتلي فاغنر إلى عصيان أوامر بريغوجين، والعمل على توقيفه، وكان الجهاز قد أكّد أنّه فتح تحقيقاً في الدعوة للعصيان، ما يعني أنّ بريغوجين يواجه اتهامات تصل عقوبتها إلى السجن 20 عاماً.
وأكّدت الكرملين أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أجواء ما يحصل من خلال تقارير وزارتي الدفاع والداخلية، موضحة أنّ هناك كلمة مرتقبة للرئيس الروسي.
مواضيع ذات صلة :
بعد قرار بايدن.. أوكرانيا تنفذ أول هجوم بصواريخ “أتاكمز” | بوتين يُحدّث “العقيدة النووية”.. محاولة روسيّة لرسم “خط أحمر” للولايات المتحدة وحلفائها | تحذير أوكراني من كارثة نووية محتملة |