فرنجية الجد الرئيس.. وحلم الحفيد
عام 1970 منذ ثلاث وخمسين سنة، خاض سليمان فرنجية الجد مواجهة طاحنة مع الياس سركيس، وتمكن من الفوز بفارق صوت واحد. واليوم يخوض فرنجية الحفيد معركة الرئاسة في مواجهة جهاد أزعور المدعوم من “التقاطع” الذي حصل بين المعارضين من الأحزاب المسيحية وبعض المستقلين والتغييريين مع التيار العوني.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
يكثر الكلام هذه الأيام عن معركة رئاسة جمهورية فعلية بسبب وجود مرشحين يتنافسون عليها، وهذا أمر يحصل لأول مرة في لبنان منذ ثلاث وخمسين سنة عندما خاض سليمان فرنجية الجد عام 1970 مواجهة طاحنة مع الياس سركيس، وتمكن من الفوز بفارق صوت واحد. واليوم يخوض فرنجية الحفيد معركة الرئاسة بترشيح من الثنائي الشيعي في مواجهة جهاد أزعور المدعوم من “التقاطع” الذي حصل بين المعارضين من الأحزاب المسيحية أي القوات والكتائب وبعض المستقلين والتغييريين مع التيار العوني. وخلال الجلسة الثانية عشر لمجلس النواب كانت دورة أولى من الاقتراع تفوق فيها أزعور على فرنجية بفارق 8 أصوات كما حصل تقريباً عام 1970 بتفوق سركيس على فرنجية الجد بـ 7 أصوات في الدورة الأولى، فحصل على 38 صوتاً مقابل 45 لسركيس. وعاد فرنجية وتقدم عليه في الدورة الثانية بصوت واحد. إلّا أنّ بري أمس رفض إبقاء الجلسة مفتوحة لاستكمال عملية الاقتراع كما ينص الدستور خوفاً من أن يتمكن أزعور من كسب الأصوات الستة التي تنقصه ليحصل على أكثرية النصف زائد واحد الكافية للفوز في الدورة الثانية أي 65 صوتاً. غير أنَّ عرابي فرنجية الحفيد ما زالا يراهنان على إمكانية قلب الطاولة وفرض مرشحهم رئيساً…
وفي صيف عام 1970 كان عهد الرئيس شارل حلو شارف على الانتهاء وبدأت التحضيرات لانتخاب خلف له وسط أجواء سياسية تنذر بمعركة رئاسية غير مسبوقة. وكان رئيس الجمهورية يومها يتمتع بصلاحيات شبة مطلقة قبل التعديلات التي أدخلت فيما بعد على الدستور بموجب “اتفاق الطائف”. وكان الخط الشهابي ما زال هو المسيطر على المشهد السياسي، ولكن تطورات إقليميَّة هامة مثل نكسة حرب حزيران 1967 أعطت دفعة للزعماء الموارنة كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده الذين كانوا على خصام مع سياسة جمال عبد الناصر، ولكنهم كانوا أيضاً على خصام شديد في ما بينهم. إلّا أنّ “المصيبة جمعتهم” وتمكنوا عشية الانتخابات النيابية عام 1968 من خوض الانتخابات تحت اسم “الحلف الثلاثي” لمواجهة الفريق الآخر الذي كان يمسك بالسلطة ممثلاً بالخط الشهابي، الذي كان يعرف يومها بـ “النهج” ومن أركانه رشيد كرامي وصبري حمادة وجان عزيز ورينيه معوض وآخرين. وما جلب أيضاً مياهً إلى طاحونة “الحلف الثلاثي” هو “اتفاق القاهرة” الذي وقع عام 1969 بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية والذي شرع العمل الفدائي من لبنان. وتمكن هذا الحلف بلوائحه المشتركة من حصد 30 مقعداً نيابياً، غير أنّ هذا الرقم لم يكن كافياً لكسب معركة رئاسة الجمهورية التي تتطلب أكثرية 51 صوتاً من أصل 99 التي كان يتألف منها المجلس يومها. فلجأوا إلى تبني ترشيح فرنجية الجد الذي كان قد شكل تحالفاً مع صائب سلام وكامل الأسعد أطلقوا عليه اسم “تكتل الوسط” الذي تمكن من حصد 15 مقعداً نيابياً.
في المقابل رشح النهج سركيس حاكم مصرف لبنان والشهابي بامتياز. وفي الدورة الثانية كان النهج يراهن على أصوات كمال جنبلاط الذي كان يميل إلى الشهابية وكانت كتلته مؤلفة من 5 نواب، وعلى صوت عدنان الحكيم الذي كان قد صوت لنفسه في الدورة الأولى، ما يضمن فوز سركيس. فيما أعطى نواب الكتائب العشر أصواتهم إلى فرنجية بعد أن صوتوا في الدورة الأولى لرئيسهم. وهنا كانت المفاجأة إذ حصل فرنجية على 50 صوتاً مقابل 49 لسركيس، عندها رفض صبري حماده الذي كان رئيساً للمجلس أن يعلن فوزه وغادر القاعة معتبراً عن حق أن أكثرية النصف زائد واحد هي خمسين ونصف وليس خمسين، وطبعاً لا يوجد نصف صوت ولكن… ساد هرج ومرج داخل القاعة فيما توترت الأجواء في الخارج بين أهالي زغرتا الذين أتوا ليحتفلوا برئيسهم وبعضهم كان مسلحاً. عندها تدخل الشهابيون العقلاء كرامي ومعوض لإقناع حماده بالعودة إلى القاعة وإعلان النتيجة، وقيل يومها أن الرئيس شهاب اتصل هو شخصياً بحماده الذي عاد وأعلن فوز فرنجية. وكيف تمكن فرنجية من الفوز؟ نتيجة الضغوط التي مورست عليه من أصدقائه، وزع جنبلاط نوابه فصوت منهم ثلاثة لسركيس واثنين لفرنجية. ولكن هذا حصل قبل خمسة عقود…
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع | القرار 1701 وألاعيب الطبقة السياسية |