الحوار والمسدس
اتفق على تحديد الحدود، بدل ترسيمها، فإذا بالحدود تتحوّل إلى خطّ وهمي، تنخره المعابر غير الشرعية، ويستبيحه السلاح غير الشرعي، فعلى ماذا كان الحوار إذاً، ولماذا كان بالأصل؟
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
يذكر جيل 14 آذار، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي وبعد تعاظم حركة ثورة الاستقلال دعا إلى حوار في مجلس النواب، جمع فيه معظم أقطاب الفئة الأولى، ومن بينهم الأمين العام لحزب الله، الذي عاد وكشف أنّه خالف رغبة مريديه، وقبل أن يتواضع وأن يجلس على الطاولة نفسها مع سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط.
يذكر هذا الجيل أنّ في آخر جلسة للحوار في العام 2006 ، قطع نصرالله الشك باليقين، وقال للجميع “تحضّروا لموسم اصطياف وسياحة، فلن يحصل شيء على الحدود”. كان ذلك ردّاً على هواجس، بل على معلومات طرحها الرئيس سعد الحريري، ووضعها أمام الجميع وهي تقول، أنّ أيّ عملية على الخط الأزرق ستؤدي إلى اشتعال الحرب.
وفيما ذهب الجميع كي يصطافوا، كان حزب الله ينفذ عملية على الخط الأزرق، أسماها عملية الوعد الصادق، وكانت الحرب قد بدأت لتستمرّ شهراً، وأدّت إلى دمار وخراب وخسائر بشرية كبيرة، وخسائر اقتصادية بمليارات الدولارات.
لم ينسحب الوعد الصادق على طاولة الحوار، فكانت تلك الطاولة مجرد مناورة، جرفت معها كل الوعود. اتفق على سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات، فلم يتحقق أيّ شيء من ذلك، واتفق على أنّ المحكمة الدولية خارج الخلاف، ليتبين فيما بعد، أنّ حزب الله اتهمها بأنّها محكمة اسرائيلية، رافضاً تسليم المطلوبين المدانين باغتيال رفيق الحريري.
اتفق على تحديد الحدود، بدل ترسيمها، فإذا بالحدود تتحوّل إلى خطّ وهمي، تنخره المعابر غير الشرعية، ويستبيحه السلاح غير الشرعي، فعلى ماذا كان الحوار إذاً، ولماذا كان بالأصل؟
لقد استعمل حزب الله الحوار كمخدّر للأوقات الاستثنائية. فليس أفضل من الدعوة للحوار، لكسب الوقت، وللانقلاب على الوقائع التي كانت تفرزها الانتخابات. استعمل حزب الله الحوار وبجانبه استعمل المسدس، ولكلّ منهما توقيته المناسب، ويبقى يوم السابع من أيار شاهداً على أنّ لا ضمانة تعطى ما دام السلاح هو الذي يحدد الأولويات.
بالعودة إلى هذا السجل الأسود لدعوات الحوار، هل يمكن أن تقع القوى السياسية مرة جديدة في هذا الفخ الأجوف، وهل أنّ فرنسا كدولة صديقة للبنان تدرك خطورة تماشيها مع حزب الله، في الدعوة إلى حوار، ينسف ما تبقى من مؤسسات، وينزع منها آخر مهماتها، ويفقد الدستور معناه وقيمته، بل يحوّل المؤسسات إلى هياكل عظمية، لا حياة فيها، ولا معنى لوجودها.
سيكون من المستبعد أن تقبل القوى السياسية، بحوار حزب الله المفخخ، ولهذا فإنّ الحزب يحضر نفسه للتمترس خلف مرشحه لوقت طويل، ولفراغ طويل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |