لبنان و”ديبلوماسية الإذعان”
لبنان، في هذه الفضيحة الديبلوماسية، لم يمتنع عن التصويت فحسب، بل صوّت ضد نفسه، وكأنه يمتنع عن معرفة مصير لبنانيين فقدوا في سوريا بالإضافة إلى سوريين مفقودين في سوريا.
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
من “اتركوا شعبي يعيش” لغسان التويني، إلى هذه الفضيحة الديبلوماسية التي اسمها موقف لبنان من التصويت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة على مشروع قرار لإنشاء مؤسسة تعنى بمعرفة مصير مفقودين في سوريا.
لبنان، في هذه الفضيحة الديبلوماسية، لم يمتنع عن التصويت فحسب، بل صوّت ضد نفسه، وكأنه يمتنع عن معرفة مصير لبنانيين فقدوا في سوريا بالإضافة إلى سوريين مفقودين في سوريا.
خطورة الموقف اللبناني، وفق ما يقول سفير لبناني متقاعد، أنه يشكك بالأمم المتحدة التي هي أعلى شرعية دولية في العالم، وبمجرد التشكيك في التصويت، الذي وصفه بيان وزير الخارجية بالـ “التصويت الخلافي”، فهذا يمكن أن يؤدي إلى التشكيك بكل القرارات ذات الصلة والتي هي لمصلحة لبنان. ما رأي الممتنعين عن التصويت، بأن يعمد أحدٌ إلى التشكيك بالقرار 1701 أو 1559؟ ألا يؤدي هذا التشكيك إلى أن يخسر لبنان أحد أهم القرارات التي هي لمصلحة لبنان؟
ربما سها عن بال رئيس الدبلوماسية اللبنانية، عبدالله بو حبيب، وهو بالمناسبة دبلوماسي، وقد شغل منصب سفير لبنان في واشنطن زهاء تسع سنوات، أنّ لبنان تُرفعُ له القبَّعة في قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لأنه أحد واضعي شرعة حقوق الإنسان، من خلال الدكتور شارل مالك، وتُرفَع له القبعة حين وقف السفير غسان التويني على منبر الأمم المتحدة، وأطلق صرخته المدوِّية في القاعة: “اتركوا شعبي يعيش”.
أين لبنان اليوم، والديبلوماسية اللبنانية غارقة تحت تأثيريْن: الديبلوماسية السورية والديبلوماسية الإيرانية، لكن الرضوخ لهاتين الديبلوماسيتين، يعني التفريط بالقرارات التي تحمي لبنان، منذ أربعينيات القرن الماضي وصولًا إلى اليوم:
من القرار 194 المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، إلى القرار 1701 الذي يؤكد حق الجيش اللبناني في الإنتشار على طول الحدود الجنوبية، إلى القرار 1559، الذي يقال إنه كان السبب في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في كل هذه القرارات، لم يكن التصويت عليها بالإجماع، فهل كان “تصويتًا خلافيًا” وفق المصطلح الجديد الذي ابتكره وزير الخارجية عبدالله بو حبيب .
الديبلوماسية هي أن تأخذ بالقرارات ما لا تتخذه بالحرب، لكن إذا كان لبنان لا يساهم في اتخاذ القرارات، لا بل يمتنع عن اتخاذها، فكيف يمكن له أن يربح قضاياه العادلة؟
لو لم تكن الديبلوماسية مهمة إلى هذه الدرجة، لَما كانت توكَل حقيبة الخارجية إلى رجال كبار مشهود لهم: من كميل شمعون إلى فؤاد بطرس، ولو لم يكن منصب سفير لبنان في الأمم المتحدة مهمًا، لما كان يوكَل إلى ديبلوماسيين كبار، من شارل مالك إلى غسان التويني إلى نواف سلام، لكن حين تسقط الدولة اللبنانية في براثن “سوريا وإيران” فعلى الديبلوماسية اللبنانية … السلام.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سقطت معادلة “الشعب والجيش و… إيران”؟ | راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة |