طاولات الحوار في لبنان “حبر على ورق”.. هل ينجح لودريان حيث فشل الآخرون؟
عن أي حوار يتحدث لودريان بعد أن لمس مدى الانقسامات الداخلية العميقة وصعوبة وضع برنامج للحوار يتوافق عليه كل الأفرقاء؟
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
زيارة “الإصغاء” التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي، وزير الخارجية الأسبق جان إيف لودريان إلى لبنان أفضت إلى خلاصة تؤكد أن التوافق بين اللبنانيين هو المدخل لأي حل، معلناً أن باريس مستعدة لتسهيل حوار وصفه بـ “البناء والجامع” بين اللبنانيين من أجل إنهاء الفراغ المؤسساتي والقيام بالإصلاحات الضرورية.
ولكن عن أي حوار يتحدث لودريان بعد أن لمس مدى الانقسامات الداخلية العميقة وصعوبة وضع برنامج للحوار يتوافق عليه كل الأفرقاء؟ وهذا ما بات واضحاً من خلال المواقف المتباينة حول انعقاد أي حوار.
ومن تتبع سابقاً طاولات الحوار التي انعقدت في لبنان منذ العام 2006 لم يلمس سوى نتيجة واحدة: الحوار بين الجدران الأربعة شيء وعلى أرض الواقع شيء آخر ونكثٌ متواصل بالوعود. فما الذي تغيّر اليوم؟
مصادر مطلعة أكدت لموقع “هنا لبنان” أن الحوار شكّل إحدى النقاط الأساسية التي طرحها لودريان على كل من التقاهم في بيروت، إلا أن كل المعطيات تؤشر إلى أنه من الصعوبة أن يحصل هذا الحوار أقله في المدى المنظور بسبب الاختلاف الواضح لدى القيادات اللبنانية في نظرتهم إلى أي حوار يريدون وما النتيجة التي يأملون منه.
الأفرقاء الذين يرفضون الحوار اليوم ينطلقون من مقاربة تقول أنّ هذا الحوار يهدف إلى إقناعهم برئيس تيار المردة سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية معتبرين أنّ ليس هناك من أسس واضحة للحوار. ويعتبر البعض الآخر منهم أن من يجب أن يقود الحوار هو رئيس الجمهورية، مع تأكيدهم أن “مواجهة التعطيل واستنباط الحلول للأزمات لا تكون من خلال جلسات غير دستورية تحت مُسمّى الحوار بل في المؤسّسات الدستورية وعبر الآليات القانونية التي تترجم بدورات انتخابية مفتوحة تفضي إلى انتخاب الرئيس العتيد”.
الفريق الداعم لفرنجية يجاهر في كل المناسبات بضرورة الذهاب إلى الحوار، وهناك من يقول منهم: لنتحاور على اسم الرئيس فإما “نقنعكم أو تقنعونا”. وهو ما يعني الذهاب إلى الحوار بهدف واحد ألا وهو إقناع الآخرين بخيار فرنجية وليس أيّ أمر آخر وإعطاء ضمانات للفريق الآخر إذا تطلب الأمر ذلك.
انطلاقًا مما سبق لا حظوظ للحوار حتى الآن. وما يجب التوقف عنده بحسب المصادر هو أن لودريان كان قد خرج بخيارين: الخيار الأول يقضي بالذهاب إلى إجراء الانتخابات في مجلس النواب بديمقراطية من دون أي تعطيل والاختيار بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور.
أما الخيار الثاني فهو أن يُسحب التداول باسمي فرنجيه وأزعور والتفتيش عن اسم ثالث. وقد عُلم أن بعض الذين يحاولون إقناع الفرنسيين بإجراء حوار ينطلقون من فكرة إيجاد خيار ثالث. وهذه الفكرة لم تكتمل بعد وتحتاج إلى المزيد من الاتصالات والتشاور التي يقوم بها لودريان على أكثر من مستوى إن كان في اتجاه العواصم المعنية بالملف اللبناني، وفي وقت لاحق نحو القوى الأساسية في لبنان. وبالتالي إن مهمته مجمدة حالياً ولن تكون فعالة خلال الشهر الحالي أو الشهر المقبل خصوصاً أنه إذا لم تقترن زيارته المقبلة إلى بيروت، والتي لم يحدد موعدها نهائياً بعد، بأي تطور عملاني على الأرض وسيكون مصيرها كالزيارة السابقة من دون أي نتيجة.
وترى المصادر أنه إذا سلك الحوار طريقه حول خيار ثالث بعد أن تُضاف إلى برنامجه بعض البنود كالنقاط الإصلاحية والثغرات الموجودة في الدستور، فلا شك أن الحوار لن يؤتي بنتائجه والسوابق عديدة على ذلك.
ويالتالي نكون أمام مشهدين: مشهد فريق يريد حواراً حول الرئيس فقط ومشهد فريق آخر يريد حواراً حول الرئيس إضافة إلى حوار حول الإصلاحات واللامركزية الإدارية الموسعة والفساد والتدقيق الجنائي وهذا ما سيستغله التيار الوطني الحر لإدخال نقاط إصلاحية كانوا يطالبون بها خصوصاً إذا لم ينل ما يريده من الاستحقاق الرئاسي. وهذا ما سيعارضه الفريق الآخر بطبيعة الحال.
ويبقى أن أي حوار مرتبط بوجود رغبة أكيدة لدى الأفرقاء اللبنانيين لمعالجة هذا الجمود الحاصل في البلد والسؤال المطروح :هل فعلاً هناك رغبة بذلك؟ وهل فعلاً تريد القيادات حسم الاستحقاق الرئاسي في الوقت الحالي أم أنها تريد تأخيره بضعة أشهر ريثما تتبلور الصورة إقليمياً ويصبح الاتفاق السعودي الإيراني موضع تنفيذ عملي لا سيما ما يخص الملف اليمني؟ لأنه حتى الآن اقتصر هذا الملف على وقف إطلاق النار وعلى هدنة وتبادل بعض الأسرى فيما المملكة العربية السعودية تعتبر أن التجربة مع الحوثيين لم تكن مشجعة لذلك تنتظر ما يمكن أن يقوم به الإيرانيون في هذا الموضوع. وبالتالي ترى المصادر أن ليس هناك من حلحلة في لبنان قبل حصول تقدم على صعيد تنفيذ الاتفاق السعودي الإيراني في اليمن.
فهل تنجح فرنسا في إيجاد “حل إبداعي” للأزمة الرئاسية أم ستبقى تدور في دوامة مواقف الأفرقاء اللبنانيين المتباينة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |