إطلاق اللامركزيّة الإداريّة للتنمية السياحيّة: افتتاح 35 مكتباً في لبنان ومشروع نقابة لبيوت الضيافة
لطالما كان القطاع السياحي في لبنان العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، والمصدر الرئيسي للعملات الصعبة. إلّا أنّ هذا القطاع ومنذ ثورة 17 تشرين خسر الكثير، جراء سلسلة الضربات التي تلقّاها، من جائحة كورونا، فانفجار مرفأ بيروت، والانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان وتأثيره على العملة المحليّة.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
لا شكّ بأنّ في حركة وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصّار “بركة”، فمنذ تسلّم الأخير الوزارة وهو يعمل جاهداً على إعادة القطاع السياحي إلى سكّته الصحيحة من جديد، ساعياً إلى تشغيل محرّكاته لضخّ الحياة فيه، وجعله يساهم في تحريك العجلة الإقتصاديّة.
فلطالما كان القطاع السياحي في لبنان العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، والمصدر الرئيسي للعملات الصعبة. إلّا أنّ هذا القطاع ومنذ ثورة 17 تشرين خسر الكثير، جراء سلسلة الضربات التي تلقّاها، من جائحة كورونا، فانفجار مرفأ بيروت، والانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان وتأثيره على العملة المحليّة. حيث وصلت خسائر هذا القطاع في نهاية العام 2020، إلى 700 مليون دولار بحسب ما صرّح به نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية، جان بيروتي، آنذاك. وكاد القطاع مهدّداً بالزوال بعد إقفال أكثر من 50 %من المؤسسات السياحيّة أبوابها، ومعها خسر الآلاف من الشباب والشابات وظائفهم.
إلّا أنّه ومنذ العام الماضي عاد النشاط إلى هذا القطاع، من خلال الحملات الإعلامية والإعلانية التي رعتها وزارة السياحة، فضلاً عن المهرجانات التي أحيتها البلديات في معظم مناطق لبنان، دون أن ننسى أنّ انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار جعل من لبنان بلداً رخيصاً نسبياً، مقارنة مع باقي الدول السياحيّة، ما شجّع السوّاح للقدوم والاصطياف في لبنان.
وهذا العام، بالإضافة إلى الحملة التي أطلقتها وزارة السياحة بعنوان “أهلا بهالطلّة أهلا”، وإلى جانب سلسلة المهرجانات التي يتمّ افتتاحها في جميع المناطق اللبنانيّة، عمل وزير السياحة على إطلاق اللامركزية الإدارية السياحية لمشاريع مستدامة.
وقال نصّار في حديث خاص لـ “هنا لبنان”: “منذ تسلمي مهامي في الوزارة بدأت العمل لضم لبنان إلى مجلس أوروبا للمسارات الثقافية وأصبح لبنان كبلد غير أوروبي عضواً في المجلس الذي يعمل على 4 مسارات هي: طريق شجرة الزيتون، مسار النبيذ، الطريق الأموي والطريق الفينيقي”.
ولفت إلى أن “هذه المسارات كانت تصل إلى 37 بلداً واليوم وضعنا لبنان على الخريطة السياحية الدولية بانضمامه إلى المجلس الأوروبي، وقد عملنا على إحياء طريق النبيذ والعمل جارٍ على طريق الحرير من خلال إعادة إحياء بيت الحرير القديم في البلدة بالشراكة مع القطاع الخاص ليكون مركزاً مصنفاً على طريق الحرير لربطه بطريق الحرير مع مجلس أوروبا للثقافات”.
افتتاح 35 مكتبا لوزارة السياحة
وعن مشروع اللامركزيّة أشار إلى أنّ “اللامركزية الإدارية السياسية المالية الموسعة هي في صلب نظامنا ودستورنا في الطائف، يلتقون قبل الانتخابات النيابية بمزايدات شعبوية ويطالبون باللامركزية الإدارية وعند التطبيق يتهربون لأن هناك جزءاً من السياسيين لا يريد ذلك، وانطلاقًا من هذا الأمر أطلقت وزارة السياحة مشروع اللامركزية الإدارية السياحية وافتتحت 35 مكتباً لوزارة السياحة على الأراضي اللبنانية كافة. وهذه المكاتب موجودة وسنشغل 12 مكتباً منها وسنربطها بوزارة السياحة بالشباك الموحد وسيكون لكل مكتب QR code كي يتمكن السائح من الاطلاع على النشاطات السياحية في كل لبنان، إضافة إلى إمكان تقديم طلبات الرخص في المكاتب من دون الحضور إلى الوزارة. فهذه مشاريع مستدامة على الوزير الذي سيتسلم الوزارة من بعدي استكمالها”.
مشروع لدمج وزارتي السياحة والثقافة
وكشف أنه “سيتقدم بمشروع قانون لدمج وزارتي السياحة والثقافة لتخفيف العبء على الدولة من جهة ومن جهة ثانية لإنشاء وزارة للتخطيط كالتي كانت موجودة في السابق وحلت مكانها المجالس والصناديق التي كانت أساس الهدر في الدولة، واليوم تمتنع الدول وخصوصاً العربية من إعطائنا الهبات والمساعدات بسبب الهدر والفساد من دون الإفادة منها في البنى التحتية وتطوير المشاريع المنتجة في البلد، وبسبب المحاصصة والمنظومة يدفع أولادنا ثمن ما وصلنا إليه ويجب أن نعمل كشعب لوقف هذه السياسة”.
نقابة لبيوت الضيافة في لبنان
وأعلن نصّار عن “إنشاء نقابة لبيوت الضيافة”، ودعا “أصحاب هذه البيوت للتسجيل الاثنين على أن تصدر الوزارة تراخيص استثنائية الثلاثاء، مما يعني أنه اصبح لدينا قطاع منتج يضم أكثر من 170 عضواً ويؤمن فرص عمل. وبذلك ننتقل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج، وهذا ما نعمل لتطويره”.
ما أهميّة اللامركزيّة؟
من جهته يقول ممثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان، الدكتور أندريه سليمان في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّ ” السياحة بطبيعتها تعتمد على اللامركزيّة الإدارية، وهي قطاع خاص بالدرجة الأولى وهذا الأخير هو الذي يخلق فرص عمل وليس القطاع العام. وعلى القطاع الخاص تأمين كلّ المستلزمات للسائح ليستفيد من السياحة كالتنقل والمطاعم، وبيوت الضيافة، والفنادق… إلّا أنّ القطاع العام قد يشترك مع القطاع الخاص من ناحية تنظيم الأماكن العامة وتأمين النقل العام، والمحافظة على النظافة، وإدارة السير ويحفظ المصلحة العامة كإمكانية الوصول إلى الشاطئ وغيرها من الأمور التي على البلديات تنظيمها”.
ورأى سليمان أنّه “من الإيجابي أن تدعم الوزارة السلطات المحليّة، أي البلديات في عملها، إلّا أنّها لا يمكنها إدارة كلّ المشروع، حيث سيعجز فريق واحد في الوزارة عن إدارة المشاريع السياحيّة في كلّ المناطق اللبنانيّة. إلاّ أنّ الوزارة بإمكانها تأمين المناخ المناسب للبلديات والشركات للعمل بطريقة فعّالة ومنظّمة، كما بإمكانه خلق البيئة والجوّ الإيجابي لذلك، والمساعدة في التسويق”، معتبراً أنّه “من الإيجابي أن يكون هناك تبادل بالمعلومات وتنسيق بين البلديات والوزارة”.
وشدّد على أنّ “الخطّة التي أطلقها وزير السياحة قابلة للتنفيذ بالرغم من كل الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلديات، من موازنات محدودة، حيث بإمكان هذه الأخيرة أيضاً جباية بدل رسوم إشغال الأملاك العامّة، مقابل خدمة جيّدة، كتنظيم السير، وتنظيف الشوارع والشواطئ، وتأمين لمبات تعمل على الطاقة الشمسيّة…”.
وأكّد سليمان على أنّ “اللامركزية الإدارية تساعد في تفعيل عمل جميع القطاعات، وتطويرها، وتسهم في توفير الخدمات وتعزز قدرات السلطات المحلية لتأمين البيئة الحاضنة، كما تعزز الموارد البيئية”.
نحو تحالف المؤسسات لتنمية القطاع السياحي
من جهتها تقول الدكتور جوزفين زغيب عضو في بلدية كفردبيان، ناشطة اجتماعيّة وحقوقيّة، في حديثها لموقع “هنا لبنان” أنّ “اللامركزيّة أصبحت ضرورة بعد انهيار القطاع العام، في ظلّ غياب استراتيجيات حكوميّة، وما يحصل اليوم أنّ اتحادات البلديات تأخذ على عاتقها تنظيم المنطقة الخاصّة بها وتحديداً في القطاع السياحي، بالتعاون مع وزارة السياحة، حيث يتمّ تأسيس ما يعرف بجمعيات ومؤسسات تنمية القطاع السياحي في جبيل، جزين، الشوف، صيدا، كسروان، المتن، دير الأحمر، البترون وغيرها من المناطق، أصبح لدينا ما يعرف بالـdestination management organizations، وتشمل الفنادق السياحية من فنادق وبيوت ضيافة ومتاحف ومطاعم وألعاب رياضيّة ومواقع تراثيّة وثقافيّة، يتحدّون مع بعضهم البعض لتسويق المنطقة كـ one brand، ونحن في منطقة كسروان بدأنا بهذه الخطوة، وأصبح لدينا 300 شريك سياحي يعمل معنا على تسويق المنطقة”.
وشدّدت زغيب على أنّ “للقطاع السياحي في لبنان أهميّة كبرى، وما نفعله اليوم هو سابقة، حيث لم تتعاون من قبل الأماكن السياحيّة على تسويق وجهة واحدة، لتنتعش المنطقة جميعها، حيث أنّ السائح يأتي 5 أيام على لبنان وهو لن يبقى طوال هذه الفترة في منطقة واحدة بل يريد اكتشاف جميع المناطق اللبنانيّة، وهذا ما يمكن تحقيقه عبر اللامركزيّة، من خلال تحالف هذه البلديات والقطاع الخاص ووزارة السياحة الذين يشجّعون السوّاح، والمجتمع المدني الممثّل بالجمعيات التي تعنى بهذا الشأن”.
وهذا التحالف، تتابع زغيب، يسمح بجمع المعلومات عن السواح ومعرفة ما يجذبه وبالتالي تحضير packages تتوافق وهذه الأذواق، ما يسمح بوضع سياسات تنمويّة حديثة ومتطوّرة تساهم في الحركة الاقتصاديّة وتوفّر فرص العمل. وهذه الخطوة إن أثبتت نجاحها في القطاع السياحي ستنعكس تدريجياً على جميع القطاعات التي ستحذو حذوها”.