فرق أسعار الأدوية بين صيدليّة وأخرى يتخطّى المليون ليرة.. فمن يضبط الأسعار؟
على الرغم من نشر وزارة الصحّة لوائح بالأدوية البديلة، والتي يكون سعرها أرخص عادة من الأدوية الأصليّة، إلّا أنّ هذه الأخيرة لا تتوافر دائماً في الصيدليات، وهي تأتي بكميّات محدودة لا تكفي جميع المرضى
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
رفع وزارة الصحة للدعم كلياً عن الأدوية الأجنبية واللبنانية تسبب بارتفاع أسعارها بشكل مضاعف عشر مرات وأكثر ممّا كانت عليه، ليقع المواطن ضحيّة الأسعار الجديدة للأدوية، التي وضعت على كاهله عبئاً جديداً، وهو كيفيّة تأمين ثمن هذا الدواء، في ظلّ تراجع القدرة الشرائيّة لدى المواطنين في لبنان وتآكل قيمة الأجور. فيما الحدّ الأدنى لا يتخطّى الـ80$، بينما يفوق سعر بعض الأدوية وخصوصاً أدوية الأمراض المستعصية حاجز الـ2000$ للدواء الواحد، حيث كان قد ذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن معدل الوفيات هذا العام بسبب مرض السرطان لسنة 2018 سيتجاوز 9 ملايين شخص في العالم. وجاء في التقرير أن لبنان يتصدر قائمة دول غرب آسيا من حيث عدد المصابين بمرض السرطان، مقارنة بعدد السكان، حيث تسجل في هذا البلد 17 ألف حالة جديدة سنة 2018، وأنه يوجد 242 مصاباً بين كل 100 ألف لبناني. ما دفع بالعديد من المواطنين إلى اللجوء للأدوية البديلة المهرّبة بطريقة غير شرعيّة عبر الحدود اللبنانيّة السوريّة والتي تأتي من تركيا، والعراق، وإيران وسوريا، فيما معظم هذه الأخيرة غير معتمد ولا مرخّص من قبل وزارة الصحّة، والقسم الأكبر منه يأتي مغشوشاً أو مضروباً فيقتل المريض بدل أن يشفيه.
إلّا أنّه وعلى ما يبدو، دفع العوز والفقر والحاجة بعض المرضى إلى المخاطرة بحياتهم وصحتهم وتجربة دواء غير مرخّص بما أنّ لا قدرة لديهم على تأمين ثمن الدواء الأصليالدواء الأصلي.
وعلى الرغم من نشر وزارة الصحّة لوائح بالأدوية البديلة، والتي يكون سعرها أرخص عادة من الأدوية الأصليّة، إلّا أنّ هذه الأخيرة لا تتوافر دائماً في الصيدليات، وهي تأتي بكميّات محدودة لا تكفي جميع المرضى، بحسب ما نقلت مصادر مطلّعة على هذا الملفّ في حديثها لموقع “هنا لبنان”.
*تطبيق Medleb من وزارة الصحة: خطوة جيدة ولكن..*
وكان وزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض قد أطلق تطبيق “Medleb” السهل الاستخدام والذي يتيح للمريض معرفة سعر دوائه المحدد من قبل وزارة الصحة العامة والبدائل (Substitutes) المتوافرة لهذا الدواء مع سعرها وذلك بمجرد إدخال اسم الدواء أو إجراء مسح (scanning) للرمز الثنائي الأبعاد “Barcode” الموجود على غلاف العلبة.
وهذه هي المرحلة الأولى التي ستليها مرحلة ثانية تحدد للمريض الموقع الجغرافي للدواء، أي الصيدليات والمستشفيات المتوافر فيها من خلال الاستعانة بخاصية خرائط غوغل ما يمكّن المستخدم من إيجاد المكان الأقرب له والتوجه إليه.
والتطبيق مجاني، يتم تنزيله بسهولة على الهاتف وقد تم تطويره بالتعاون بين مصلحة الصيدلة في وزارة الصحة العامة وجمعية “عمّال”.
وكان قد أوضح الوزير الأبيض أن “أهمية تطبيق “Medleb” تكمن في أنه يعرض للمريض السعر الحقيقي للدواء والبدائل الموجودة كي يختار من بينها ما يناسبه من سعر؛ كما يكشف الدواء المزوّر الذي لا يظهر التطبيق أي خاصيات له فينبّه المريض من خطورته”.
وتابع الأبيض: أن “هذا التطبيق يأتي تنفيذًا للقرار الإستراتيجي الذي تطبقه الوزارة لمكننة مختلف الإجراءات المتعلقة بالدواء والتي من المفترض أن تؤدي عند اكتمالها إلى وضع حد لفوضى السوق من خلال مراقبة الدواء وتتبّعه من وقت دخوله إلى لبنان حتى توزيعه واستهلاكه”.
ولكن وعلى الرغم من أهميّة هذه الخطوة، في إحداث ثورة بالقطاع الطبي في لبنان، إلّا أنّها غير كافية لأسباب عدّة: أوّلها عدم معرفة جميع المواطنين كيفيّة استخدام هذه التطبيقات فيما لا تتوفّر خدمة الإنترنت لدى الكثير منهم لارتفاع كلفتها ومن جهة أخرى، لا توفّر هذه الخطوة الأدوية البديلة، بل هي ترشد المريض فقط إلى مكان وجودها وبالتالي هي لا تحلّ مشكلة نقص الدواء البديل أو الأصلي في الصيدليات ولا تعالج أزمة ارتفاع سعر الدواء، ولا تضبط أسعار الأدوية في الصيدليات.
ومن جهة أخرى ما تزال الجهات الضامنة تدفع للمضمون على دولار الـ 1500 ليرة ولم تعدل التسعيرة لتتناسب مع تآكل القدرة الشرائية للرواتب والأجور قياساً على ارتفاع سعر الدولار الذي التهم كل شيء وقضى على الأخضر واليابس، بما في ذلك تسببه بارتفاع أسعار الأدوية إذ باتت الوزارة تسعر الأدوية أسبوعياً وفق سعر الصرف في السوق السوداء الأمر الذي رفع معه أسعار الأدوية بشكل مخيف.
*فرق أسعار الأدوية بين الصيدليات يتخطّى المليون ليرة!*
وفي السياق ذاته جال موقع “هنا لبنان” على بعض الصيدليات، لمقارنة أسعار أدوية أمراض السكري والضغط والكوليسترول والتريغليسيريد، والقلب، وهي أكثر الأدوية استعمالاً خصوصاً وأنّ الأمراض القلبية الوعائية تمثل السبب الرئيسي للمرض والوفيات في لبنان وهي أيضاً السبب الرئيسي للدخول إلى المستشفى. ففي عام 2012، تشير التقديرات إلى أن 31 ٪ من جميع الوفيات في لبنان كانت بسبب مرض نقص تروية القلب ويمكن أن يعزى هذا الارتفاع في معدل الأمراض القلبية الوعائية إلى عدة عوامل، على سبيل المثال، 42٪ من اللبنانيين هم من المدخنين، و29.4% يعانون من السمنة، و22.8% من المصابين بالسكري ، و29.8% يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
وخلال جولتنا تبيّن أنّ سعر دواء السنجردي synjardy وهو دواء يستخدمه مرضى السكري يختلف ثمنه بين صيدليّة وأخرى حيث قد يصل الفارق إلى 500 ألف ليرة. ففي الصيدليّة الأولى كانت إحدى الصيدليات تبيعه بـ 5 ملايين و100 ألف ليرة لبنانيّة، فيما صيدليّة أخرى تبيعه بـ 5 ملايين، وأخرى بـ 4 ملايين و600 ألف ليرة، وأخرى بـ 4 ملايين و600 ألف ليرة لبنانيّة.
أمّا إبرة الـozempic وهي تستخدم أيضاً لمرضى السكري، لتعديل مستوى السكري في الدم فيصل ثمن الإبرة الواحدة إلى 9 ملايين في إحدى الصيدليات فيما في صيدليّة أخرى تباع بـ10 ملايين ليرة، وفي الصيدليّة الثالثة بـ100$، أي بفارق مليون ليرة لبنانيّة بين صيدليّة وأخرى.
أمّا دواء السليفيك، فيباع بـ28$ في إحدى الصيدليات وبـ 25$ في أخرى، وبـ 22$ في صيدليّة ثالثة.
*على المواطنين التوجه بشكوى لدى الصحة أو النقابة*
من جهته اعتبر عضو لجنة الصحة النيابيّة، ووزير الصحّة السابق، النائب غسّان حاصباني في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “هناك عدّة أسباب ممكن أن تكون وراء اختلاف أسعار الأدوية بين صيدليّة وأخرى، أوّلها الفوضى الحاصلة في التسعير، بسبب تعدّد أسعار الصرف وعدم وضوح أيّ سعر صرف رسمي يجب اعتماده، وقد يكون هناك اختلاف بين السعر الذي تمّ شراء الدواء علي أساسه وسعر الصرف الجديد لدى المبيع”، مضيفاً “ومن الأسباب أيضاً نذكر عدم قدرة الجهات الرقابيّة والمعنيّة بهذا الموضوع من وزارة الصحّة ونقابة الصيادلة على القيام بدورهم الرقابي، لما يعتليه من صعوبات، إن كان في الموارد البشريّة، أو في توقيت حضور الموظفين، والرواتب المتدنية للمفتشين، ما يمنعهم من تطبيق رقابة كاملة على أسعار الأدوية في كلّ صيدليات لبنان”.
في المقابل يتابع حاصباني “لا يملك جميع المواطنين القدرة على استخدام التكنولوجيا للتحقق من سعر الدواء عبر تطبيق MED أو على الموقع الإلكتروني لوزارة الصحّة، وبالتالي لن يتمكّنوا من معرفة الفرق بأسعار الأدوية بين صيدليّة وأخرى إلا عبر المقارنة بالأسعار وقصد أكثر من صيدليّة، لذلك قد يقعون ضحيّة تسعيرات مرتفعة للأدوية”.
وعن الحلّ الذي قد يلجأ إليه المواطن في حال وقع ضحيّة تعرفة مرتفعة لدواء ما مغايرة للتعرفة الرسميّة التي وضعتها وزارة الصحّة يقول “على المواطن وفي حال كان لديه أيّ شبهة حول سعر أيّ دواء أن يرفع شكوى إلى وزارة الصحّة أو نقابة الصيادلة والتبليغ عن الصيدليّة للتفتيش”.
وأكّد حاصباني أنّ “الدواء يخضع لسعر مثبت وتنظيم للأسعار وهناك قانون خاص لهذا الموضوع ولا ينطبق عليه منطق “الاقتصاد الحرّ” أو “السعر الحرّ” بل هناك معايير تحدّد سعره. وطبعاً أنا أقصد الأدوية وليس أيّ مستحضرات أو متممات غذائيّة”.