الجمل لو شاف حردبتو…
تاريخنا السياسي ثري بالدماء والذكريات الموجعة. وتاريخنا الأدبي ثري بالأمثال الشعبية، ومنها “الجمل لو شاف حردبتو بيوقع وبيفك رقبتو”.
كتب عمر موراني لـ “هنا لبنان”:
ينشغل بعض صغار النفوس، في أوقات فراغهم، بإعادة نبش القبور وتحريك السكاكين في جراح الحرب اللبنانية الكثيرة واستذكار مواضٍ مؤلمة. ومعظم هؤلاء يصوّبون على “القوات اللبنانية” قبل أن تصبح قوة عسكرية موحّدة في العام 1980 وبعد ذلك التاريخ، مما يظهرها وكأنها الميليشيا الوحيدة منذ سبعينات القرن الماضي التي حملت سلاحاً وقاتلت وقتلت وقُتل منها الآلاف في زمن تخلّي الدولة عن مسؤولياتها وعجزها عن مواجهة انفلاش القوى الفلسطينية المسلّحة التي أصبح أبو عمّارها أقوى رجل على أرض لبنان. وهو بنفسه قال “حكمتُ لبنان ولن يكون من الصعب عليّ حكم الدولة الفلسطينية”…
قبل أيام تذكرت إحدى المنصات “السياسية المستقلّة” أحداث 7 تموز الدموية (1980) والتي راح ضحيتها نحو الثمانين ضحية من مقاتلي “نمور الأحرار” ومن المدنيين في بلدة الصفرا الواقعة على ساحل كسروان وفي غيرها من المناطق التي يشكّل فيها حزب الوطنيين الأحرار ثقلاً عسكريا في ذاك الزمن. في إطار “الاستذكار” المشبوه نشرت المنصة مقابلة للقائد الشاب بشير الجميل، قال فيها أن العملية كان يجب أن تتم في 14 نيسان 1975.
حتماً يجهل “النابش” في القبور، فرداً أو كياناً إعلامياً، ما حصل قبل 7 تموز 1980 من مواجهات بين ميليشات الحزبين الحليفين “الكتائب” و”الأحرار” والتي ذهب جراءها مقاتلون من الجهتين وجعلت أحياء “الشرقية” مسرحاً لاشتباكات يومية. لا يعرف السخيف الذي يحاول قراءة التاريخ بعين الحقد، أن كل الثورات في العالم تضطر إلى القيام بعمليات موجعة لتوحيد قواها في أطر تنظيمية، وهذا ما أراد قوله الرئيس الشهيد عقب الأحداث المؤلمة في الصميم.
وهذا “النابش” في القبور لماذا لا يزود متابعيه على تويتر ببعض الفيديوهات من حرب الأخوة بين “الحركة” و”الحزب”، وأبطالها أحياء يرزقون؟ أكثر من 2500 قتيل سقطوا في حرب “الشقيقين” الشيعيين بعد ثمانية أعوام على “مجزرة الصفرا” وهما اليوم ثنائي وطني يمارس أسوأ أنواع الإبتزاز السياسي.
التنويع في سرد المجازر والإغتيالات مفيد للقارئ. لديك يا مؤرّخ العصر باقة من حروب الأخوة. حرب العلمين بين الحزب التقدمي الإشتراكي وحركة أمل ولديك حرب الزواريب التي أخرجت “المرابطون” من بيروت ولديك حروب طرابلس التي أخرجت عرفات نهائياً من لبنان ولديك تصفية الشيوعيين على أيدي مجاهدي الحزب. كلها في خلال الحرب المحددة بين العامين 1975 و1990. بعد حل الميليشيات يمكن لأي باحث عن الوقائع سرد المنجزات الوطنية وآخرها تصفية لقمان سليم.
تاريخنا السياسي ثري بالدماء والذكريات الموجعة. وتاريخنا الأدبي ثري بالأمثال الشعبية، ومنها “الجمل لو شاف حردبتو بيوقع وبيفك رقبتو”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
شبيحة “الحزب” بالمرصاد | أبو الجماجم | الحكواتي الجديد |