سقوط المنطق المؤسساتي!

إعلاء المنطق المؤسساتي على الحسابات المصلحيّة الأخرى من شأنه أن يوفر الحد الأدنى من مناخات الاستمرار والصمود بانتظار الفرج السياسي الذي يبدو أنه لن يكون قريباً على ضوء العجز الداخلي عن اجتراح تسوية رئاسيّة تُخرج البلاد من عنق الزجاجة
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
البلاد أمام منعطف جديد ولربما ستكون أمام فراغ جديد مع اقتراب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في آخر شهر تموّز الجاري وعدم تعيين بديل له حتى اللحظة بسبب الشغور الرئاسي من جهة، والتعثر المؤسساتي، من جهة ثانية.
المشكلة التي تطرح نفسها دوماً تتمثّل في أن الطائفيّة تطل برأسها في كل استحقاق فتفرض أعرافاً جديدة تكرّس الأعراف القديمة وتضاعف المصاعب في الخروج منها أو التحلل منها ولو في القليل من المحطات، فكم بالحري بالنسبة لمواقع رفيعة وعالية في الدولة غالباً ما تتصارع عليها القوى النافذة والقابضة على القرار السياسي في البلاد.
عند شغور منصب المدير العام للأمن العام، تولى الضابط الأعلى رتبة المنصب، ولو أنه كان من طائفة مختلفة، وحافظ على سير المرفق العام، واستمرت المؤسسة في تأدية الدور المنوط بها وفق القوانين النافذة.
لم يندلع أي سجال طائفي أو مذهبي، ولم تشعر أية فئة بأنها “مغبونة”، بل شعر اللبنانيون أن المنطق المؤسساتي تغلّب على المنطق المحاصصاتي وسارت الأمور على ما يُرام دون أي تعقيدات أو عثرات. وقدّم هذا المثال تجربة حيّة عمّا يمكن أن تسير عليه أمور الدولة عندما يتحرر أصحاب القرار والحل والربط من العقدة الطائفيّة والمذهبيّة البغيضة.
في مصرف لبنان، ثمّة إمكانيّة لتطبيق الأمر عينه وفقاً للقوانين والأصول المرعيّة الإجراء إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة وتأليف حكومة جديدة والمباشرة بالتعيينات الإداريّة والماليّة والعسكريّة.
حتى قائد الجيش يشكو بدوره بأنه لا يستطيع التغيّب ولو لأيام قليلة عن البلاد بسبب شغور منصب رئيس الأركان الذي تُناط به صلاحيّات القائد في حال غيابه لا سيّما ما يتعلق بتسيير شؤون المؤسسة العسكريّة. فهل يجوز ألا تتوفر للمؤسسة العسكريّة التي واظبت على حماية الاستقرار الداخلي رغم كل المصاعب وفي طليعتها الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير الحدود الدنيا من الاستمراريّة الإداريّة والتنظيميّة التي تتيح لها أن تؤدي مسؤولياتها الصعبة في هذه الأوقات الحساسة؟
الفكرة الأساسيّة أن إعلاء المنطق المؤسساتي على الحسابات المصلحيّة الأخرى من شأنه أن يوفر الحد الأدنى من مناخات الاستمرار والصمود بانتظار الفرج السياسي الذي يبدو أنه لن يكون قريباً على ضوء العجز الداخلي عن اجتراح تسوية رئاسيّة تُخرج البلاد من عنق الزجاجة، وفي ظل عدم نضوج تسوية سياسيّة في هذا الملف لا سيّما على خط باريس- واشنطن- الرياض- طهران.
هذا الخط الرباعي وحده الكفيل باستيلاد تلك التسوية المنتظرة طالما تصر بعض القوى اللبنانيّة على إجهاض كل محاولات “لبننة” الاستحقاق من خلال الإصرار على مرشح أوحد غير قابل للتفاوض!
بانتظار تغيّر الواقع القائم، اللبنانيون يدفعون الثمن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() 7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | ![]() لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | ![]() إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |