النول اليدوي يتحدى الحداثة وينسج حكايا التاريخ من بعدران الشوفية
ازدهرت هذه الصنعة في لبنان أواخر القرن السادس عشر، قصص نجاح وكفاح وجهد وتميز وأصالة عديدة تبرز في مسيرة هذه المهنة
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
“النول آلة موسيقية لها سحر خاص لا يعرفه إلا من يتقن نسج الخيوط”، فالعباءة لم تفقد وهجها في لبنان رغم تغير طبيعة الحياة وإيقاعها، ولكنها تماشت مع الموضة، سواء لناحية التصميم أو القماش أو الألوان أو الإكسسوارات التي أدخلت عليها. فهي تشكل أحد النماذج التي تنتجها الحياكة، تلك الصنعة التاريخية التي قدمها من قدم كسوة الانسان بالقماش…
ازدهرت هذه الصنعة في لبنان أواخر القرن السادس عشر، قصص نجاح وكفاح وجهد وتميز وأصالة عديدة تبرز في مسيرة هذه المهنة من بينها قصة نزيه الباز الذي ورث متحف النول عن جده الراحل الشيخ ريدان الباز الذي أسسه في العام 1918، محافظاً على كل ما يتميز به من أصالة وتراث.
في قرية بعدران الشوفية يحيك باز الخيوط نسيجاً من إصرار وتعب وتمسك بتراث بات على حافة الإندثار في لبنان، ويشرح في حديث لـ “هنا لبنان” : “النول الذي أعمل عليه عمره حوالي 120 عاماً، فيما النول الذي كان يعمل عليه جدي عمره حوالي 550 عاما، وهو النول الذي تعلمت عليه، وجدي هو أول من أدخل النول إلى جبل لبنان” .
إكتسب باز حرفة الحياكة على النول من جده، وحافظ على إرث الأجداد وحول النول، بالتعاون مع محمية أرز الشوف الطبيعية، إلى معلم تراثي يعرّف ويدرب الطلاب والأجيال الناشئة على أهمية هذه المهنة التراثية التي صنعت وتصنع أجمل أنواع الأقمشة وأجودها في العالم من خلال “مشغل النول” دون أن يفوت زائروه فكرة المشي على “درب بعدران الطبيعة والتراث”.
وهنا يعلق باز: “عباءاتنا تباع خارج لبنان لدى الكثير من الدول، وأطلق عليها أيضاً العباءات الملوكية وإنجازها يستغرق 3 أشهر، فيما العباءة التي قدمناها في الأردن استغرق إنجازها 6 أشهر، قمنا بحياكتها بحرير بلدي مع قصب ذهبي”، وتعود قصتها إلى العام 1998 حينما سافر إلى الأردن للمشاركة في مؤتمر البساط برعاية الملكة نور الحسين، ونال على العباءة التي قام بحياكتها جائزة وتقدير كبير، وأطلق عليها العباءة الملوكية”.
لدى باز أمنيات كثيرة لكن أهمها “أن تتمكن الأجيال القادمة ممن يهوى هذا التراث الاستمرار بهذه المهنة”، مضيفاً: “الحمدلله لا زلنا قادرين على إنجاز أي طلب يطلب منا، والمتحف مفتوح على مدار الأسبوع للناس كافة”.
أما العلاقة التي تجمع باز بنوله فهي من آخر “عندما أضرب مكوكي من الشمال إلى اليمين أو بالعكس، وبسبب شغفي وحبي لهذه المهنة، أشعر بأن مروره على الخيطان يعطيني لحناً معيناً”، وهو لم يرفض إدخال الحداثة عليه لكنه حافظ على الكثير من الأدوات اليدوية في عمله، “حتى أنه في حال تعرضه لأي عطل فإنني أستعين بأحد بل أقوم أنا بإصلاحه، وكما أعمل في الحياكة أقوم بصناعة الأنوال، وأنجزت الكثير من الأنوال لمعاهد ومدارس وجمعيات”.
في المقابل فإن المهن التي يتقنها باز لا تتوقف عند الحياكة على النول أو صناعته بل معروف عنه في المنطقة التي يسكن بأنه لا يزال متمسكاً بمهنة قديمة جداً وتوازي مهنة الحياكة ألا وهي مهنة الطب العربي طب أبقراط الأساسي، وفي ذلك يوضح “هذه ورثتها عن جدي أيضاً، ولا زلت أجد القوة في الكتب القديمة كالبرديات وفي علاقاتي بكبار العمر الذين كانوا يهتمون بها، أراهما مهنة موحدة ولا زلنا نناضل بكل طاقاتنا بهدف المحافظة عليهما”. كما لا يمكننا أن ننكر دور وسائل الإعلام في المساهمة في الإضاءة على هذا التراث، والتذكير به لأجيال اليوم والمستقبل”.
وفي نظرة أشمل نجد أن هذه الحرفة هي من عشرات الحرف التي تنضوي تحت راية القطاع الحرفي الذي وكما يحمل عدة مميزات بات يعاني كبقية القطاعات من تحديات ومشاكل وهذا ما نتلمسه مما ذكرته الدكتورة والباحثة في الاقتصاد اللبناني غنى طبش: “القطاع الحرفي في لبنان لديه قدرة إنتاجية ومساهمة في الاقتصاد اللبناني بما يعادل 28 مليار ونصف دولار على سعر الصرف 1500 ليرة، ولدى هذا القطاع قدرة نمو تعادل 8 % سنوياً”، لافتة إلى أن الحرفيين يعانون من مشاكل عديدة أبرزها تأمين المواد الخام والمواد الأساسية وتأمين السوق المحلي والخارجي لتصريف الإنتاج، وزادت عليها جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية مشاكل في التسعير وفي كيفية تصريف المنتجات بأسعار معقولة ومنافسة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |