بين إقفال تلفزيون لبنان ومصير رواتب الموظفين: مكاري يحسمها لـ “هنا لبنان”
لا تزال رواتب موظفي تلفزيون لبنان على سعر الصرف الرسمي القديم 1500 ليرة، وتتراوح بين مليونين و3 ملايين ليرة، في وقتٍ تتجاوز فيه قيمة الدولار في السوق السوداء 90 ألف ليرة، أي أنّ الرواتب لا تتخطى الـ30$!
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
اشتدّ خناق حبال الأزمة الاقتصاديّة على رقاب موظفي تلفزيون لبنان، الذين سئموا الوعود الفارغة، دون أيّ ترجمة ملموسة على أرض الواقع، رافعين الصوت مراراً وتكراراً مطالبين بحقوقهم المهدورة، وصولاً إلى التهديد بالاعتكاف عن العمل. ليصبح مصير التلفزيون وموظفيه مجهولاً. فقبل عام نفذ الموظفون إضراباً أوقفت خلاله كل أعمال الإنتاج باستثناء تغطية نشاطات المقرات الرسمية الثلاثة ونشرة الأخبار المسائية، ومنذ ذلك الوقت يتلقى الموظفون وعوداً كاذبة، فحتى المراسيم التي صدرت عن مجلس الوزراء تجاهلتهم، ولم تطاولهم المساعدات الاجتماعية وغلاء المعيشة وغيرها من البنود التي أقرها مجلس الوزراء، لموظفي القطاع العام.
ولا تزال رواتب موظفي التلفزيون على سعر الصرف الرسمي القديم 1500 ليرة، وتتراوح بين مليونين و3 ملايين ليرة، في وقتٍ تتجاوز فيه قيمة الدولار في السوق السوداء 90 ألف ليرة. أي أنّ الرواتب لا تتخطى الـ30$، وهو ما كان قد أكّده الشيف أنطوان، الذي انطبع اسمه بتلفزيون لبنان على مدى 30 عاماً، حيث كشف في مقابلة أنّ راتبه لا يتخطّى الـ40$!
موظفون يرفعون الصوت
وكما الشيف أنطوان، خرج العديد من إعلاميي المحطّة بتصاريح علنيّة، تحدثوا فيها عن مشاكلهم وهمومهم، ومنهم الإعلامية أريج خطّار في منشور نشرته على صفحتها على فايسبوك، كشفت فيه بحزن أنّ “التلفزيون وحتى الآن لم يقفل أبوابه ولكن فعلياً إنّ الجميع بجو الإقفال، وهذه الشاشة العريقة التي خرّجت أهم الأشخاص بمجال الإعلام والفن وبفضل خبرة موظفيها تم افتتاح تلفزيونات كثيرة، تلفظ أنفاسها الأخيرة، فالموظفون يعملون باللحم الحي براتب لا يتخطّى الـ ٤٠$ ولم تلحقه أي زيادة أقرتها الدولة ورغم كل شيء بقي الكثير من الموظفين في المؤسسة، لحبهم وخوفهم على هذه المؤسسة وعدم رغبتهم بأن تقفل. إلّا أنّ هناك حدود للتضحية وقدرة للبشر على التحمّل. هذا ولم يتقاضَ الموظفون رواتبهم لأكثر من شهر ولا أحد يعرف الأسباب، رغم الوعود الدائمة بالحصول على المستحقات القديمة مع مفعول رجعي”.
وتوجّهت بسؤال إلى المعنيين والسياسيين قائلة “ليه إذا ما مرقت صورة أو خبر لحضرتكم بتقوم القيامة ومعاش الموظف يلي صار يعتبر بخشيش ما بتهتموا فيه، هل هي سياسة تهشيل من التلفزيون؟ بدكم يتسكر؟ شو هالاستهتار”.
وأكّدت على أنّ “العديد من الموظفين لم يعد يعتمد في معيشته على الراتب الذي يتقاضاه من تلفزيون لبنان، ويحاول تأمين وظيفة أخرى ليتمكّن من الاستمرار، في المقابل هناك ربّ عائلة لا يملك مدخولاً سوى راتبه من تلفزيون لبنان ولا يسمح له سنّه ولا صحّته بمزاولة مهنة أخرى”.
وفضحت المشاكل الإدارية داخل المؤسّسة وقالت “تركتم التلفزيون من دون مدير عام ومجلس إدارة أصيل، فكثرت المشاكل بكل الأقسام بعيداً عن الأمور المادية، وكثرت العداوات، وهيدا معنا وهيدا ضدنا، وزواريب ضيقة ونكايات والشركة منهارة”.
وأضافت: “يا جماعة في معدات تعبت بدها تصليح. نحنا عم نقرا النشرة ومقطوع نفسنا مع حرارة ٣٧ برا و ٤٠ بالاستديو، من ورا الإضاءة لأن ما في مكيف… وبدنا نهار كامل لنحكي عن مشاكلنا… وكل هيدا متحملين كرمال تاريخ هالمؤسسة. يلي بتتعرض لاستهزاء البعض يلي ما بيعرفوا تاريخهم ولإنكار السياسيين يلي ما اهتموا بإنهاض هالمؤسسة لاعتباراتهم السياسية”.
هذا وتتصاعد المشاكل في تلفزيون لبنان، سواء على صعيد حرمان الموظفين من تصحيح الأجور، أو لناحية التعيينات التي تدخل في إطار المحاصصة السياسية والطائفية، والترقيات الاستنسابية.
بشرى سارة من مكاري: الرواتب هذا الأسبوع
في هذا الإطار أعلن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّ وزارة المال وافقت على صرف كلّ مستحقات موظفي تلفزيون لبنان المكسورة منذ العام 2019، مؤكّداً أنّ المعاملات شارفت على الانتهاء، “وقد عرضت توقيع وموافقة الوزير أمام النقابة وأنا موعود بأن تصرف الرواتب يوم الخميس أو الجمعة. وأنا أراجع وزارة المالية كل يوم إلّا أنّ المشكلة في النظام الإداري البطيء، بسبب نقص الموظفين. وقد أكّدت لي وزارة الماليّة بالأمس تحديداً أنّ هذا الأسبوع ستتحوّل الأموال إلى حساب المؤسسة”.
ولا ينكر مكاري وجود تهميش بحقّ موظفي المحطّة، من قبل الحكومة: “إلّا أنني دفعت باتجاه ضمّ أسماء هؤلاء إلى باقي موظفي القطاع العام، كي يستفيدوا من المساعدات الاجتماعية وغيرها من الزيادات على الراتب، واستحصلت على قرار حكومي لهذا الموضوع. ولا شكّ بأنّ هناك استهتار من قبل المعنيين بهذا الملف”.
تلفزيون لبنان لن يقفل
وعن سبب عدم تعيين مدير للمحطّة واستلام مكاري للمنصب أجاب “لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال تعيين رئيس مجلس إدارة وهو ما جعلني أدير المحطّة. حيث ساهمت بحلّ الكثير من المشاكل وتحييدها عن المؤسسة”.
وأكّد أن “التلفزيون لن يغلق أبوابه طالما أنا موجود. وقد بدأنا بإدخال الأموال إلى المؤسسة عبر الإعلانات وتمّ إيقاف الهدر منذ استلامي الإدارة”.
رسالة من مكاري إلى الشيف أنطوان
وعن تصريح الشيف أنطوان الأخير أجاب: “استمتعت لما قال، واتصلت به، وهو فعلاً مظلوم، ومن حقّه أن يزعل، إلاّ أنني وعدته بتحسين وضعه المالي، على غرار باقي موظفي المؤسسة، فبرنامجه أقوى برنامج في المحطّة وقد أفنى حياته في خدمة هذه المؤسسة”.
وكشف مكاري عن سعيه إلى إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة لموظفي تلفزيون لبنان، “نحن نعمل على تطوير علاقاتنا العامّة وإنتاج برامج جديدة إلّا أنّ المسألة تحتاج إلى بعض الوقت. كما أننا نعمل على تجهيز مبنى الحازمية وحضرنا الخرائط، والعمليّة تسير ببطء لأنّ التمويل ذاتي، إلّا أنّها شفافة وتكلفتها بسيطة، والأمور جميعها تتقدم إيجابياً”.
لهذه الأسباب تمّ تهميش موظفي تلفزيون لبنان
في المقابل رأى عضو لجنة الإعلام والاتصالات النيابيّة النائب ياسين ياسين في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّه “لأمر محزن أن نضطر يوماً ما إلى توديع تلفزيون تربينا جميعنا عليه، ومحطّة واكبت أجيالاً عديدة”، معتبراً أنّ “كلّ مؤسسات الدولة في تحلّل وهناك قرار سياسي بعدم إيجاد حلول. فالمسؤولون لم يقوموا بأيّ خطوة إصلاحيّة”.
وعن سبب تهميش موظفي تلفزيون لبنان وعدم مساواتهم بباقي موظفي القطاع العام قال “يتعامل المعنيون مع القطاعات على القطعة، بحسب أهميّة كلّ قطاع، وأولويته، فعندما أضرب القضاة وصعدوا خضعت السلطة لمطالبهم، والأمر نفسه تكرّر مع موظفي قطاع الاتصالات، أمّا القطاعات التي لا يعتبرونها مهمة أو حيويّة فيقومون بتهميشها. وهؤلاء الموظفون لا يؤثرون على عمل السلطة بطريقة مباشرة”.
وتابع “هناك خطر كبير على لبنان، فالأزمة ستتخطى الوضع المالي وقد نكون أمام أزمات أكبر أخطر من الانهيار ستجعله يتفاقم ونحن متجهون باتجاه انفجار اجتماعي، ولا أحد يتحرك لمنع الانهيار والتضخم الاقتصادي، وأخاف أن نكون قد تأخرنا كثيراً، فهناك مؤسسات ترعاها الدولة وهي اليوم عاجزة عن الاستمرار بصيانتها”، محذّراً من أنّ “لبنان قد يصبح معزولاً ليس فقط على صعيد الإنترنت أو الإعلام بل أكثر من ذلك”.
المرحلة دقيقة.. على الوعد يا كمّون
من جهتها تكشف الإعلامية كاتيا شقير في حديثها لموقع “هنا لبنان” أنّ “الأزمة في تلفزيون لبنان، بدأت منذ فترة طويلة وتحديداً بعد وفاة مدير عام تلفزيون لبنان ابراهيم الخوري، حيث كان من المفترض أن يكون هناك توافق لتعيين مدير عام أصيل من بعده، إلاّ أنّ الأحداث في لبنان بالإضافة إلى الكيديات السياسيّة والمحاصصة منعت التعيين، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، بعد أن كلّفت فيفيان لبّس بتعيين قضائي، وانتهت ولايتها، فاستلم وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري إدارة التلفزيون، في أصعب وقت اقتصادي يمرّ به لبنان. فتلفزيون لبنان يعكس مشاكل البلد على مستوى مصغّر”.
وعن توجه المحطّة إلى الإقفال قالت “اقفال التلفزيون أمر وارد، ولو مؤقتاً، وذلك لعدم تمكّن أغلبيّة الموظّفين من الحضور إلى العمل”، مشددة على أنّ “المرحلة دقيقة ونحن نأسف لهذا الوضع، إلاّ أنّ قرار إقفال المؤسسة صعب حيث أن العديد من الأسر لا تزال تعتاش من الراتب الذي تتقاضاه من تلفزيون لبنان على الرغم من قيمته المتواضعة”.
وكشفت شقير أنّ “الرواتب الثلاث التي أعطيت لموظفي القطاع العام لم تعطَ لموظفي التلفزيون، وكذلك السبعة رواتب التي تشمل المساعدات الاجتماعية وبدل غلاء معيشة وبدل نقل، وعندما سألنا المعنيين عن سبب تهميش موظفي تلفزيون لبنان جاء الجواب: “الأسباب إدارية ووزير الإعلام يحاول التواصل مع وزير المال يوسف الخليل، وقد وعدنا بأن نتقاضى جميع مستحقاتنا الأسبوع المقبل، إلّا أنّها ليست المرّة الأولى التي يعدوننا بها، فموّال “الأسبوع المقبل صرلو فترة”.
وعن السبب الذي يجعل الموظفين يبقون في عملهم أجابت “العاملون في تلفزيون لبنان أصبحوا يعتبرونه منزلهم، والموظفون لا يزالون متمسكين بهذه المؤسسة ويخافون عليها من الزوال. وبسبب الظروف الاقتصاديّة قام 10 موظفين بتقديم ورقة إلى الوزير يعلمونه بها أنّهم لن يداوموا في المؤسسة سوى يوم واحد في الأسبوع فقط، لأنهم غير متأكّدين ما إذا كانت الدولة ستعطيهم رواتبهم، فأساتذة التعليم الرسمي وعلى الرغم من إضرابهم لمدّة عامل كامل لم يتقاضوا مستحقاتهم حتى الآن”.
وتحدّثت شقير عن “رغبة الكثير من الموظفين بترك التلفزيون، خصوصاً مع قرب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان والخوف من تقلّبات جديدة بسعر صرف الدولار ستمنعهم من الذهاب نهائياً إلى العمل، لأنّهم سيصبحون عاجزين حتى عن دفع تعرفة المواصلات”.