الاجتماع الخماسي الثاني حول لبنان: “المضمر منه أهم من المعلن”
باريس لا تزال تقوم بجهود حثيثة وتتواصل مع جميع الأفرقاء المعنيين بالملف اللبناني من أجل أيجاد الحلول المناسبة ومن بينهم السعودية والولايات المتحدة كما تتواصل فرنسا وبشكل غير مباشر مع إيران
كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:
توجهت كل الأنظار إلى الدوحة بعد باريس حيث عقد الإجتماع الثاني للمجموعة الخماسية بشأن لبنان، علّ هذا الإجتماع يفتح كوّة في الفراغ القاتل الذي يحيط بالإستحقاق الرئاسي بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان والمملكة العربية السعودية ولقائه المرشح جهاد أزعور ومشاركته كذلك في أعمال اللجنة الخماسية في قطر.
إلاّ أنّ البيان المشترك الذي صدر عقب الإجتماع جاء عاماً وخيّب آمال اللبنانيين لجهة خلوه من الدعوة إلى الحوار داخلياً كان أم برعاية دولية وأيّ مبادرة جديدة من شأنها إنتشال لبنان من الفراغ وإيجاد حلّ سريع لمعضلة الملف الرئاسي والأزمة الأقتصادية، واضعاً الثقل على القيادة اللبنانية الفاشلة أصلاً في إنتخاب الرئيس وإجراء الإصلاحات لإنقاذ الاقتصاد وتأمين مستقبل أكثر ازدهاراً للشعب اللبناني، ومطالباً بأن يلتزم أعضاء البرلمان اللبناني بمسؤولياتهم الدستورية وأن يشرعوا في انتخاب رئيس للبلاد. واكتفى البيان بإتخاذ إجراءات ضدّ الذين يعرقلون إحراز تقدّم في هذا المجال على غرار ما لوّح به الإتحاد الأوروبي في بيانه الأخير بفرض عقوبات على معطّلي الإستحقاق الرئاسي، كما كان لافتاً التشديد على الإصلاح القضائي وتطبيق سيادة القانون لا سيّما ما يتعلق بإنفجار مرفأ بيروت.
وفي قراءة للبيان المشترك أكّد عضو كتلة الكتائب النائب سليم الصايغ لـ”هنا لبنان” أنّ ما لم يقل في البيان كان أهم مما صدر لجهة عدم التطرق إلى مسألة الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين، إضافة إلى عدم إطلاق أيّ مبادرة أو التطرق إليها من قبل مجموعة الدول الخمس المتلهية بحلّ مشكلاتها مما يشير إلى أنّ صيغة الحوار غير مقبولة حالياً وأنّ لا مجال لمبادرات جديدة بعد سقوط صيغة المبادرة الفرنسية القائمة على التسوية المتعلقة بفرنجية مقابل سلام. وأعتبر أنّ التلويح بالعقوبات على المعرقلين ليس بالأمر الجديد لا سيّما أنّ الإتحاد الأوروبي لوّح أكثر من مرة بالعقوبات وبقيت حبراً على ورق ولم تنفذ أيّ جهة دولية هذا الأمر.
وكشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة لموقعنا أنّ الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي سيزور لبنان في الرابع والعشرين من تموز الجاري والذي التقى الثلاثاء وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بحضور المستشار السعودي المكلف بالملف اللبناني نزار العلولا الذي ترأس وفد بلاده إلى الدوحة، بحث في العلاقات الفرنسية السعودية وتطورات الملف اللبناني على ضوء اجتماع الدوحة والجهود المبذولة بشأنه والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.
وكان لودريان قد حاول خلال إجتماع قطر تسويق فكرة الحوار من دون التشديد عليها، إلاّ أنّ المواقف جاءت ضد هذا الطرح الذي فشل ولم يسلك طريق الموافقة عليه من قبل المجتمعين، فيما الموقف الأميركي وكذلك السعودي كان ثابتاً حيال أهمية إنتخاب الرئيس في مجلس النواب وعدم تبني أيّ إسم لأيّ مرشح للرئاسة لأنّ هذا الأمر يعتبر شأناً لبنانياً، والتشديد على مسألتي البرنامج والضمانات التي سيقدمها أيّ رئيس مقبل للبنان لجهة تطبيق بنود إتفاق الطائف وتطبيق القرارات الدولية بحذافيرها وتنفيذ الإصلاحات. في المقابل يستمر الثنائي الشيعي في لبنان بالتمسك بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مما يعيق التقدم في هذا الملف.
وأكدت المصادر أنّ باريس لا تزال تقوم بجهود حثيثة وتتواصل مع جميع الأفرقاء المعنيين بالملف اللبناني من أجل أيجاد الحلول المناسبة ومن بينهم السعودية والولايات المتحدة كما تتواصل فرنسا وبشكل غير مباشر مع إيران التي اعتبر بيان خارجيتها بعد إجتماع الدوحة “أنّ إيران تعتبر ملف لبنان قضية لبنانية بحتة وأن التدخلات في الحوار الداخلي لهذا البلد غير بناءة وتعيق دور الشعب اللبناني في تقرير مصيره” مما يؤكد على أن ّدور حزب الله في إتخاذ القرار في السياسة الداخلية اللبنانية وهو ما أكده الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير.
أما البيان القطري الذي تحدث عن كلمة وزير الدولة في وزارة الخارجية حمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي أمام المجتمعين فجاء واضحاً أكثر لجهة ضرورة إيجاد آليات لمساعدة لبنان في تجاوز حالة الشلل السياسي وتجاوز الأزمة الإقتصادية ولجهة وضع رؤية جامعة من أجل إعادة الانتعاش إلى الوضع الاقتصادي في لبنان وإعتباره أمراً ملحاً، والتأكيد على إستمرار قطر في بذل الجهود والمساعي والوقوف إلى جانب لبنان والحفاظ على سيادته واستقلاله، ودعم الجهود الدولية التي تؤدي إلى وحدته واستقراره.
وعلى الرغم من التكتم القطري الشديد حيال إجتماع الدوحة إلاّ أنّ قطر تلعب دوراً مهماً بين جميع الأفرقاء لا سيّما مع إيران من أجل التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية خصوصاً أنّ قطر لم تقصر يوماً بدعم لبنان في كافة المجالات والأزمات. وأكّدت مصادر قطرية رفيعة لموقع “هنا لبنان” أنّ هناك قلقاً قطرياً ودولياً وتحديداً أميركياً بشأن مرور 9 اشهر من الفراغ في سدة الرئاسة لكن الوساطة القطرية لن تتوقف وستبذل قطر وقيادتها جهوداً كبيرة لا سيّما بعد اجتماع اللجنة الخماسية من أجل التوصل الى إحداث خرق في جدار هذه الأزمة.
مصادر سياسية متابعة للشأن اللبناني إعتبرت أن الصيف اللبناني الملتهب بالحرارة المرتفعة لن يؤثر في تسخين الملف الرئاسي الذي ستذهب الحلول بشأنه إلى ما بعد الإجازة الصيفية على الرغم من إجتماع الدوحة وزيارة الموفد الفرنسي المرتقبة هذا الشهر لوضع الأفرقاء اللبنانيين مجدداً في آخر مستجدات إتصالاته ولقاءاته.
ويبدو أنّ الوساطة القطرية والفرنسية لن تبدل الصورة القاتمة وسيبقى المشهد على ما هو عليه، حتّى نضوج الملفات الساخنة في المنطقة والتي ستنعكس بدورها على لبنان.
