هل يتأثّر لبنان بانسحاب روسيا من اتفاقيّة تصدير الحبوب الأوكرانيّة؟
هذه ليست المرّة الأولى التي يتأثّر بها لبنان، بالحرب الروسيّة الأوكرانيّة، من جهة أمنه الغذائي. فما الأثر الذي سيتركه انسحاب روسيا من اتّفاق تصدير الحبوب الأوكرانيّة على دول العالم وتحديداً على لبنان؟
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
تتجه الأنظار المحليّة إلى كيفية تأثّر لبنان بوقف العمل باتّفاق تصدير الحبوب الأوكرانيّة، مع إعلان روسيا تعليق مشاركتها في اتّفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، بعد نحو عام على عقده. ونتيجة للقرار الروسي بدأت أسعار القمح بالارتفاع عالمياً بعد دقائق قليلة من الإعلان، خوفا للنقص الذي ستعانيه الأسواق مستقبلاً، لكون أوكرانيا تُعدّ من أبرز الدول المصدّرة للقمح والزيوت النباتية.
وبحسب آخر الأرقام، فقد استورد لبنان نحو 754 ألف طن من القمح خلال عام 2021، بحسب إحصاءات الجمارك، بمتوسط استهلاك نحو 60 ألف طن من القمح شهرياً.
واعتاد لبنان على استيراد حوالي 60 % من قمحه من أوكرانيا، لكن هذه الشحنات تعطلت بسبب الغزو الروسي وحصار موانئ البحر الأسود الرئيسية التي كانت أوكرانيا تصدر من خلالها من قبل.
وتفاقم نقص الخبز بسبب الحرب في أوكرانيا وعدم قدرة بيروت على تخزين احتياطيات من القمح منذ تدمير أكبر صوامعها في انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتأثّر بها لبنان، بالحرب الروسيّة الأوكرانيّة، من جهة أمنه الغذائي. فما الأثر الذي سيتركه انسحاب روسيا من اتّفاق تصدير الحبوب الأوكرانيّة على دول العالم وتحديداً على لبنان؟
كميّات القمح في لبنان تكفي لشهرين
وكان وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام قد أعلن في حديث صحفي سابق أنّ “تداعيات انتهاء العمل باتفاق الحبوب غير واضحة بعد، ومن الضروري معرفة نوايا روسيا وكيفية تعاملها مع الصادرات الأوكرانية، وما إذا كانت ستنأى بنفسها فتستمرّ عمليات التصدير أو ستعرقل عمليات التصدير، ليُبنى على الشيء مقتضاه”، لافتاً إلى أنّه في حال “عرقلت روسيا الصادرات الأوكرانية فإنّ أسعار القمح سترتفع عالمياً ولبنان سيتأثر في هذا السياق، إلّا أنّ لا نقص متوقعاً في الأسواق لأنّنا عملنا في الفترة الأخيرة على تنويع مصادر استيراد القمح”.
ولفت إلى أنّه “وفي سياق الاتفاق مع البنك الدولي لاستيراد القمح، بدأ لبنان، يستورد من مصادر أخرى، خصوصاً وأنّ البنك الدولي ما عاد يتعامل مع روسيا، لكنّ الاستيراد من هذه المصادر قد يستغرق وقتاً أكثر من الاستيراد من أوكرانيا”.
وعن المخزون الموجود في لبنان، وما إذا كان كافياً لتفادي النقص في الأسواق في حال طال أمد الأزمة وعانت الأسواق العالمية شحّ القمح، كشف سلام أنّ “الكميّات الموجودة تكفي لنحو شهرين أو ثلاثة كحدّ أقصى”.
لا انقطاع للطحين
في هذا الإطار اعتبر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائيّة هاني البحصلي في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “الانسحاب الروسي خطير جداً على الصعيد العالمي لأنّ قسماً كبيراً من القمح والزيوت والأسمدة يأتي من أوكرانيا وروسيا ويعبر عبر البحر الأسود. وانقطاع خط الإمداد أو انعدام أمنه، سيؤدي إلى مشاكل عديدة، لا نعرف تداعياتها، ولكن حتى الآن أصبح هناك ضغط على القمح والزيوت النباتية والأسمدة حول العالم، ما سيؤثّر تلقائياً على أسعارها ويجعلها ترتفع”.
وشدّد البحصلي على أنّ “أكثر البلدان تأثّراً من انسحاب روسيا من اتّفاق تصدير الحبوب الأوكرانيّة، هي البلدان الأكثر فقراً كأثيوبيا ومصر، والتي بدورها تستورد كميّات ضخمة من القمح من أوكرانيا، تتخطى الـ40 مليون طن، إلاّ أنّ لبنان لن يتأثّر كثيراً، خصوصاً أنّ الكميّة التي يستوردها ليست كبيرة، مقارنة مع باقي الدول”، مطمئناً أن “لا أزمة قريبة، ولا انقطاع للطحين أو الأسمدة في المستقبل القريب”.
ولم ينفِ أن يكون للخطوة الروسيّة، تأثير على أسعار السلع كالقمح والزيوت النباتية والاسمدة، إلّا أنّه وفي موضوع الأسمدة
فالمسألة ذهبت للعام المقبل، أمّا سعر القمح فستتداركه وزارة الاقتصاد والدولة اللبنانيّة، والكميّة الموجودة حالياً تكفي لحوالي الشهرين حسب حديث وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال تمام سلام، إلّا أنّنا لا نملك أرقاماً دقيقة ورسميّة منذ شهر 12 من العام الماضي، من الجمارك اللبنانيّة، حول كميات السلع التي تدخل وتخرج من السوق، في الجمارك هي المرجع الوحيد الذي نستطيع من خلاله أن نقدّر ميزان السوق”.
وطمأن البحصلي أنّ “للبنان مصادر أخرى للقمح بإمكانه الاستيراد منها غير أوكرانيا”.
ارتفاع طفيف في سعر ربطة الخبز
من جهته قال نقيب الأفران ناصر سرور في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّه “في حال روسيا انسحبت فقط من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانيّة ولم تعترض عمليّة نقل الحبوب عبر البحر الأسود، فلا مشكلة في الموضوع ولن يشهد العالم أزمة في أسعار القمح، أمّا إذا ترافق انسحاب روسيا من اتفاقيّة القمح واعتراضها على عملية تصدير القمح عبر البحر الأسود، فبالتالي نحن أمام أزمة عالميّة حقيقيّة، ستضرب جميع الدول التي تستورد القمح من أوكرانيا حول العالم”.
وأشار سرور إلى أنّ “لبنان لا يستورد إلا القليل من القمح من روسيا فيما الغالبية من الكبرى من قمحه تأتي من أوكرانيا، وإذا توقّف التصدير كليّاً فإنّ جميع الدول ستقع في أزمة”.
وعن تداعيات هذا الموضوع على لبنان قال “لا يملك لبنان أهراءات، فهذه الأخيرة خسرها في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، وبالتالي سيكون هناك اعتماد كبير على القطاع الخاص، الذي بإمكانه الصمود لمدّة شهرين ونصف، ومن بعدها ستلجأ المطاحن والوزارة إلى الاستيراد من دول أبعد كالهند وغيرها وسيرتفع بذلك سعر القمح وبالتالي سينعكس الموضوع غلاءً نسبياً في سعر ربطة الخبز الذي سيرتفع بدوره، ولكن بنسبة قليلة، لكون الطحين في لبنان مدعوم على سعر الـ15 ألف ليرة”.