الثروة السمكيّة في لبنان مهمّشة: عائدات بالمليارات ضائعة!
تنتشر على امتداد الساحل اللبناني عشرات الشواطئ والمسابح والمنتجعات السياحية التي تعتبر عنصراً هاماً ومميزاً للسياحة والاستجمام، والثروة السمكيّة. وتتميز شواطئ لبنان المنتشرة بكثرة بأنها المكان الأول لممارسة الأنشطة المرتبطة بالبحر وأهمها صيد السمك.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
يعتبر لبنان بلداً ساحلياً بامتياز، وأول حضارة في تاريخ لبنان هي حضارة بحرية ارتبطت بتجارة أعالي البحار واكتشاف العالم الخارجي على امتداد البحر المتوسط بل وصلت رحلاتها إلى سواحل المحيط الأطلسي في العالم القديم، وهي الحضارة الفينيقية، حيث توجد أربع مدن فينيقيّة في لبنان مسجلة من أقدم مدن التاريخ الإنساني وعلى رأسها مدينة صور، وجبيل. وتمتد سواحل لبنان على طول ما يقارب 200 كيلومتر، وتنتشر على امتداد هذا الساحل المتوسطي عشرات الشواطئ والمسابح والمنتجعات السياحية التي تعتبر عنصراً هاماً ومميزاً للسياحة والاستجمام، والثروة السمكيّة. وتتميز شواطئ لبنان المنتشرة بكثرة بأنها المكان الأول لممارسة الأنشطة المرتبطة بالبحر وأهمها صيد السمك. ويستحيل أن نجد في لبنان بلدة تقع على الشاطئ ولا تملك موانئ أو مرافئ للصيد، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، حيث يتوزّع الصيادون على طول خطّ الشاطئ البحري، في سفنهم، ليلاً نهاراً، مجهزين صناراتهم، وشباكهم، وشخاتيرهم، وعدّة الصيد من طعم وغيرها، بانتظار اصطياد مخزون كاف من السمك يحقق لهم عائداً مالياً يوفّر لعائلتهم العيش الكريم.
مشاكل قطاع صيد السمك في لبنان
وعلى الرغم من تميز لبنان بثروته السمكية الغنية، حيث يقدر حجم قطاع صيد الأسماك في لبنان بنحو 3280 طن سنوياً، بإجمالي عائدات تقدر بـ 14 مليون دولار تقريباً، ويحوي بحر لبنان أكثر من 50 نوعاً من الأسماك، إلّا أنّ هناك تحدّيات عدّة تواجه قطاع صيد السمك في لبنان. فتلوث المياه وتقلص الموائل البحرية وازدياد الصيد الجائر، كلها عوامل أثرت سلباً على العائدات التي تعتبر مصدرًا مهمًا لكثير من الأسر في لبنان. وتتنوّع مشاكلُ قطاع صيد السّمك حيث يعود البعض منها إلى سوء إدارة المرافق العامة للدولة وعدم معالجة الملوثات على الشّاطئ اللبنانيّ، وبعض أساليب الصيد، إضافةً إلى التشريع الذي يعود إلى عام 1929 من دون تعديلٍ يُذكر، لكن المشكلة الرئيسيّة تكمنُ في عدم توفر البنية التحتية لموانئ صيد السّمك، التي إن وُجِدت فتؤمّن عمل الصيادين على مدار السنة.
11 ألف طن استيراد vs 178 طن تصدير!
هذا ولا يلبّي إنتاج السمك في لبنان طلب السوق المحليّة منذ سنوات طويلة، وذلك لأسباب عدّة أهمّها: التهميش الذي عانت منه هذه المهنة على مدى سنوات، وعدم وضع الوزارات المعنيّة أيّ سياسات تحفّز عمل الصيادين في لبنان، وتحميه، فضلاً عن اختفاء أي مساعٍ تدفع باتجاه تعزيز تصدير الثروة السمكيّة. حيث يظهر التفاوت بين حجم استيراد وتصدير السمك الحاجةَ إلى جهود تحمي وتعزّز الثروة السمكية المنسيّة والأمن الغذائي.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، استورد لبنان في 2022، ما مجموعه 11067 طن من الأسماك والقشريّات والرخويّات وغيرها، بقيمة 50.4 مليون دولار أميركيّ، في حين، تمّ تصدير 1.6 في المئة فقط من حجم الاستيراد، أي 178 طن مقابل 1.3 مليون دولار.
ووفقاً للكتاب السنويّ لمنظمة الأغذية والزراعة لإحصاءات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في 2019، استورد لبنان في 2017، ما مجموعه 55480 طن من الأسماك والمنتجات السمكيّة بالوزن الحيّ، وصدّر ما يزيد قليلاً عن واحد في المئة من حجم الاستيراد، أي 589 طن.
وينتشر على الشاطئ اللبناني أكثر من 30 ميناءً لصيد السّمك، 60٪ منها غير صالح مثل ميناء جل البحر والضبيّة والناقورة و الهري، ما يُؤدّي إلى انخفاض مستويات صيد السَّمك إلى 10 أطنان وهي كميّة لا تكفي الاستهلاك المحلّيّ حيث تغطي 20٪ فقط من حاجة السّوق اللبنانيّة، ما يدفع إلى استيراد الـ80٪ الباقي من الخارج. أمّا القانون الدّوليّ للبحار فيسمحُ للصّيّادين اللبنانيّين بالصَّيد لمسافة تصلُ إلى 21 كيلومتراً من الشّاطئ، غير أنّ مراكب الصَّيد الحالية لا تسمحُ بالابتعاد أكثر من 5 إلى 7 كيلومترات، ما يجعل نحو 3450 كلم٢ بحري غير مستثمرة وهي تحتوي على 85٪ من الثروة السمكية اللبنانية.
مسودة قانون “الصيد المائي وتربية الأحياء المائية”
محاولات عدّة ظهرت لتنظيم قطاع صيد الأسماك في لبنان ومنها دراسة لجنة نيابية فرعية منبثقة عن اللجان المشتركة مسودة قانون “الصيد المائي وتربية الأحياء المائية” الذي يتضمّن تعديلات أساسية، وإضافات، من شأنها أن تنظم القطاع وتحدّ من عشوائيّة التراخيص. وخلال إعداد المسودة، جرى تعاون لصيق بين وزارة الزراعة و الهيئة العامة لمصايد الأسماك في البحر المتوسط GFCM و”الفاو”.
فبحسب مدير التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة، شادي مهنا، كشف خبراء من GFCM على الشاطئ اللبناني لدرس ما يُمكن تربيته من الناحية الفنية، والمخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تربية الأحياء البحرية.
وكانت هذه المرّة الأولى التي يُدرج فيها موضوع تربية الأحياء المائيّة ضمن قانون. فيما قانون الصيد الحالي عمره نحو مئة عام؛ لذلك كان هناك حاجة ملحّة لتغييره.
وكان لبنان قد أجرى أوّل مسح تجريبي لمراقبة موارده السمكية ومخزونها على طول ساحل البلاد، في العام 2021 ، بمشاركة منظمات وخبراء دوليين، حيث أنّ الهدف كان تقييم مخزون الأسماك المتوافرة خارج نطاق العمل الحالي لأسطول الصيد البحري اللبناني. إلّا أن هذه الخطوة لم تستكمل بسياسات حكوميّة.
فما هو واقع الثروة السمكيّة في لبنان اليوم؟ وما التحديات التي تواجهها وما الحلول التي يمكن اعتمادها؟ وكيف بإمكان الثروة السمكيّة أن تساهم في الاقتصاد اللبناني؟
يجيب على هذه الأسئلة محمد أيوب، رئيس جمعية “نحن”، في حديثه لموقع “هنا لبنان” محذّراً من أنّ “الثروة السمكيّة في لبنان مهدّدة بالانقراض بسبب الصيد العشوائي، واستخدام وسائل صيد سيئة كالمتفجرات، والأخطر من ذلك هو العمران العشوائي الذي يحتلّ الشواطئ في لبنان، صخرية كانت أم رملية. فالشواطئ أساسيّة للثروة السمكيّة وهذا البنيان يهدد الأخيرة بالزوال. منتقداً السياسات العامّة للدولة اللبنانيّة، العاجزة عن حماية الثروات المائيّة في لبنان والأصناف السمكيّة المهددة بالانقراض”.
واعتبر أنّ “لبنان من أهمّ الشواطئ على البحر المتوسّط وأكثرها غناء بالتنوّع البيولوجي الموجود، إلاّ أنّ هذا الأخير مهدّد بالخطر، في ظلّ غياب مراكز دراسات للثروات المائيّة، وغياب أيّ أجهزة رقابيّة بهذا الخصوص، ولا مراكز تدريب على الصيد ولا معاهد، ولا مراكز مراقبة..”
أموال مهدورة
وعن أهميّة الثروة السمكيّة من الناحية الاقتصاديّة يقول “هناك الكثير من دول العالم التي يعتاش اقتصادها من صيد السمك، إلاّ أنّ الصيد في لبنان وللأسف يقتصر عل المهارات اليدويّة، حيث لا أماكن مخصّصة للصيد. في المقابل، بإمكان لبنان الاستفادة من موقعه الجغرافي الممتد على طول شاطئ البحر المتوسّط لاصطياد مختلف أنواع الأسماك بكميّات كبيرة وتصديرها إلى الخارج، أو لاستخراج الملح وتصديره إلى الخارج، كذلك بإمكان لبنان الاستفادة من النباتات البحريّة واستخدادمها في تصنيع الأدوية، وبعض مساحيق التجميل، ومساحيق العناية بالبشرة، إلّا أنّنا بدل الاستفادة من هذه الثروة وتصديرها إلى الخارج نقوم باستيرادها من الخارج وهذه تعتبر أموالاً مهدورة!”.
ويتحدّث أيّوب عن المشاكل التي يعاني منها الصيادون في لبنان إن “من ناحية عدم تأمين أيّ نوع من الضمان الاستشفائي لهم، كما أنّ أعداد الصيادين في لبنان إلى تراجع، لأنّ هذه المهنة لم تعد “تطعمي خبز”، في ظلّ غياب الدعم الحكومي”.
وعن الحلول يذكر أنّه “على الدولة أن تلحظ قطاع الصيد في لبنان، وتعمل على تطوير الحياة البحريّة، في سياساتها العامّة، وأن تخصص في موازنتها أموالاً تخصّص للثروة السمكيّة، كما بإمكان الدولة الاستفادة من هذه الثروة كمصدر دخل ومصدر أمن غذائي، ومصدر صحي، وعلى الدولة أن تزوّد الصيادين بوسائل صيد حديثة وأن تستثمر في هذا القطاع وتؤمّن ضمان صحي واستشفائي للصيادين، وأن تفتتح مركز أبحاث ودراسات بالتعاون مع الجمعيات المعنية بالحياة البحريّة. كما بامكان الذهاب باتجاه عقد شراكة بين القطاعين العام والخاص لافتتاح مزارع بحريّة لتطوير الثروة السمكيّة، وافتتاح محميّات مائيّة لحماية الثروة السمكيّة”.