السنّة والتحدّي الكبير
على عاتق المفتي دريان مهمة تاريخية، وعلى عاتق الحريصين على دور السنة مسؤولية مضاعفة. التشتت مميت، أما الوحدة فترادف القوة، وعلى القيادات السنية الاختيار.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
لم يعد مجدياً السؤال عن النتائج التي تركها خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، فالوقائع تخطت كل تحليل، والتشتت استفحل إلى درجةٍ بات يصعب معها القول بأن هناك أمل لإنتاج قوة سنية وازنة في النظام اللبناني قادرة على أن تقول لا حيث يجب وأن ترجح الكفة، إذا دعت الحاجة والتحديات.
من قلب هذه الصورة المائلة للسواد، جاء كلام مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان الذي أنب مجمل النواب السنة، من زاوية الحث على تحمل المسؤولية في لحظة تاريخية، وإلا فلا يُلام من يسعى لتعبئة الفراغ، لأنّ الطبيعة لا تعترف بالفراغ.
في الحالة السنية، فإن من يسعى جدياً لملء الفراغ، هو حزب الله، أما الباقي من الأساطير فهي مجرد أكاذيب تم تسويقها بهدف الشيطنة، لا أكثر ولا أقل، والمعني هنا القوات اللبنانية، التي لا تفكر، ولا تستطيع أن تملأ هذا الفراغ، حتى ولو أرادت، في حين أن حزب الله ينشر سراياه الميليشياوية والسياسية في البيئة السنية، ويدغدغ هؤلاء بالنفوذ والسلطة والمال والسلاح، للسيطرة على هذه البيئة، واستتباعها.
يعكس موقف المفتي دريان خشية من أن تكون الاستقالة الذاتية للقيادات السياسية السنية، بداية لتغييب دور الطائفة السنية كمكون أساسي في التركيبة اللبنانية، وهذا سيسعد كثيرين وسيحزن كثيرين، لكن لن يكون بالإمكان تعويضه، لأن الوزن السني هو المقياس للتوازن الوطني، فلا استقرار للنظام إلا من خلال انتظام السنة في المعادلة الوطنية، أما الانسحاب فيعني حكماً اختلالاً غير قابل للتعديل، وأضرار جسيمة، ستصيب هيكل النظام والميثاق والعيش المشترك.
لم تكن مبادرة المفتي دريان شهباً من فضاء، لمع واختفى. هناك احتضان عربي عميق لهذه المبادرة. الاحتضان العربي يعني هنا بلا لبس الموقف السعودي، الذي ينسحب أيضاً على همة الدكتور رضوان السيد، الساعي للمّ الشمل، الذي يحظى مسعاه بغطاء سعودي كامل، والذي يصب مسعاه أيضاً كرافد في مجرى دار الفتوى، إذ يهدف الى مساعدة المفتي في تحقيق الهدف الغالي المتمثل بتوحيد كتلة سنية وازنة، قادرة على قول كلمتها في الاستحقاق الرئاسي والحكومي في آن.
إذا فشلت هذه المبادرة فسيكون المكون السني عرضة للأخذ والرد، وموضوعاً للسمسرة، من هنا ومن هناك وهو الأمر الذي لم يسجل منذ غياب رفيق الحريري وإلى اليوم، وإذا فشلت فإنّ تصويتاً رئاسياً هجيناً، وأداءً حكومياً سيئاً سيسجل أيضاً، أما إذا نجحت فإن هذه الكتلة السنية، ستكون في المقدمة، حفظاً للدستور، والعلاقات العربية، وهي ستشجع عودة العرب إلى لبنان وعودة لبنان إلى العرب.
على عاتق المفتي دريان مهمة تاريخية، وعلى عاتق الحريصين على دور السنة مسؤولية مضاعفة. التشتت مميت، أما الوحدة فترادف القوة، وعلى القيادات السنية الاختيار.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |