فتح في مواجهة “نهر بارد” جديد
هذه الثوابت أصبحت مزعجة للممانعة، التي اعتادت تحت عنوان المقاومة، أن تستعمل الورقة الفلسطينية لأهداف لا علاقة لها بالقضية الأساس
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
لم تكن المعركة التي شنّت على حركة فتح، في عين الحلوة أكبر المخيّمات الفلسطينية، سوى جزء من كل. المطلوب محاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية، وذراعها المسلّح في المخيمات لتسليمها لحركة حماس، وفصائلها الإسلاموية، المغذّاة تسليحاً من الممانعة.
ولأنّ حركة فتح تقف في مواجهة هذه الخطّة، إتّخذت الممانعة عبر فصائلها هذه، القرار بفتح المعركة، عبر اغتيال أحد أبرز قادة الأمن الوطني، الذي كان متوجّهاً مع مرافقيه مشياً لتسلّم أحد المقاتلين الذي ارتكب جريمة قتل، فإذا بالرشاشات الثقيلة تنهمر ويتمّ اغتيال العميد العمروشي ومرافقيه في ثوانٍ.
ليس ما يجري في عين الحلوة ابن ساعته، بل هو مخطّط له، لا بل هو مرتبط بسلسلة أحداث مشبوهة في المنطقة، يظهر فيها كلها طيف داعش وأخواتها، طبعاً بأمر من غرفة العمليات التي تحرّك داعش.
من الاعتداء في سيناء، إلى هجوم السيدة زينب، إلى عين الحلوة، ملامح “نهر بارد” هنا وهناك، يُراد تظهيره على إيقاع توقّف المفاوضات الإيرانية الأميركية. أما الزيارة الأخيرة للواء ماجد فرج، التي ألصق بها إعلام حزب الله مسؤولية الأحداث وبنى حولها الكثير من الأساطير المضللة، فهي تمّت بطلب من الأجهزة الأمنية اللبنانية، التي استشعرت أنّ حركة أمنية يتمّ تحضيرها.
حضرت الممانعة فصائلها الإسلاموية بشكل جيد، استعداداً لهذه اللحظة. هناك عقبة اسمها حركة فتح في مخيمات لبنان يجب التخلّص منها، على طريقة ما جرى في غزّة، أو على طريقة ما جرى في نهر البارد، لا يهم.
التخلّص من فتح يعني للممانعة في هذا التوقيت، كسب ورقة المخيمات الثمينة، وتحريكها وتوظيفها في خدمة استراتيجية إيران، أي استراتيجية وحدة الساحات، التي تعني إيرانياً تسليح جميع الفصائل الموالية، وتوظيفها كأوراق تستخدم لتعزيز نفوذها في المنطقة.
سلكت حركة فتح طريق الحذر والحكمة بعد العام 1982 . من زمن الراحل أبو عمار إلى أبو مازن، أصبح شعار الفلسطينيين في دول الجوار: نحن ضيوف بانتظار العودة إلى الدولة الفلسطينية. لا تدخّل في الشؤون الداخلية، لا توظيف لورقة فلسطين من أيّ طرف، بل إصرار على أن يكون الفلسطينيون، جزءاً من الاستقرار في المجتمعات التي يعيشون فيها، طبعاً بانتظار العودة.
هذه الثوابت أصبحت مزعجة للممانعة، التي اعتادت تحت عنوان المقاومة، أن تستعمل الورقة الفلسطينية لأهداف لا علاقة لها بالقضية الأساس. أبو مازن رئيس العقلاء، كان الأكثر تقدماً في فهم ما يجب أن يتّخذه الفلسطينيون من مواقف. أعلن خلال زيارته لبيروت ضرورة أن تستلم الدولة أمن المخيمات. هي إشارة إلى أنّ القضية ليست ورقة بيد هذا أو ذاك.كان سبق ذلك ترتيب مصالحة تاريخية لبنانية فلسطينية لطيّ جراح الحرب.
اليوم تقف حركة فتح في الموقع نفسه، الذي شهد المعركة ضد فتح الإسلام. المعادلة تتجدد، والخطر كبير من أن تمسك فصائل الباصات المكيفة المشبوهة والمعروفة الولاء، بالمخيمات، بحيث تتحول إلى ورقة فوضى وعنف وابتزاز وترهيب.
المعادلة تتجدّد ومن يبني موقفاً ممّا يجري في عين الحلوة، عليه قراءة الوقائع بما يتجاوز المواقف العنترية والكليشيهات، وإلّا سيجد نفسه إذا حصل الأسوأ في مواجهة إرهاب محمي ومستعد لتفجير كل شيء.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |