عين الحلوة وعين الرمانة.. شبح البدايات مجدداً
كي لا يتمّ دفن الرؤوس في الرمال، لا بدّ من الانتباه دوماً، إلى أنّ لبنان هو على خط النار الإقليمي الذي ينطلق أحياناً من أسباب قد تبدو صغيرة في البداية، لتتحوّل لاحقاً إلى براكين
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
فوجئ اللبنانيون مساء الجمعة الفائت بالبيان الصادر عن المراجع المعنية في المملكة العربية السعودية، تدعو فيه رعايا المملكة في لبنان إلى توخّي الحيطة والحذر وتجنّب الاقتراب من مناطق التوتر. كما طالب البيان من هؤلاء الرعايا مغادرة الأراضي اللبنانية.
لا مبالغة في القول، إنّ صدور هذا البيان أثار قلقاً واسعاً في صفوف اللبنانيين عموماً، وجميع الذين لهم صلة بالسعودية على مستويات عدّة.
وفور صدور البيان تسارعت الاتصالات في لبنان وخارجه، ومن بين هذه الاتصالات وهي كثيرة، كان أصحابها يسعون إلى معلومات حول ما ستؤول إليه الأوضاع الداخلية في لبنان في القريب العاجل. وكان أحدهم يستفسر المعنيين بقلق: “هل أطلب من بعض أسرتي الذين يعيشون في كندا أن يلغوا رحلتهم المقررة إلى لبنان”؟
لا غرابة في تصاعد قلق اللبنانيين عموماً في مثل هذه الحالة. ومن أشهر الأمثلة اللبنانية: “أنفخ على اللبن لأن الحليب كاويني”.
إذ لا تزال ذاكرة اللبنانيين حيّة لتستعيد ما جرى في هذا البلد في تموز عام 2006 عندما نشبت الحرب، وكيف أضطر مئات الألوف من اللبنانيين والزوار في ذلك العام لمغادرة الأراضي اللبنانية على عجل وبطريقة وصفت بأنّها عملية إجلاء هي الأكبر في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية.
ماذا عن الموقف السعودي بشأن مغادرة رعايا المملكة على لبنان؟
في المعلومات التي جرى تداولها بعد البيان، أنّه أتى في سياق إجراءات عادية سبق أن اتخذت المملكة مثلها في الأعوام الماضية ولكن في ظروف أخرى. وفي المعلومات أيضاً، أنّ مصدري البيان السعودي كانوا يريدونه نشرة داخلية برسم رعايا المملكة فقط، لا أن يصل إلى الإعلام.
إلّا أنّ البيان أصبح فجأة في صدارة الأنباء برسم الجمهور قاطبة، الأمر الذي شكّل مفاجأة لبلد يعيش فورة موسم سياحي ندر مثيله من زمن بعيد. لكن المفاجأة لم تستمر طويلاً بعد سيل الاتصالات بين بيروت والرياض لوضع الأمور في نصابها، فتأكّد من دون لبس أنّ التحذير للرعايا هو إجراء روتيني.
لكن ماذا عن تلاحق بيانات التحذير المماثلة للبيان السعودي والتي صدرت عن سائر دول مجلس التعاون الخليجي وهي تباعاً: الكويت، البحرين، قطر، الإمارات وسلطنة عمان؟
لا بد هنا عند الإجابة على هذا السؤال أن نأخذ بالاعتبار، أنّ كلّ هذه البيانات الخليجية صدرت بالتزامن مع أحداث مخيم عين الحلوة لللاجئين الفلسطينيين في ضاحية صيدا الجنوبية الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من أنّ هذه الاحداث بدت معزولة عن السياق العام في لبنان، إلاّ أنّها وفي مكان ما على المستوى العربي اتخذت بعداً مختلفاً. فهي أتت في وقت واحد مع الاجتماع الفلسطيني الذي استضافته مصر في مدينة العلمين تحت عنوان ترتيب البيت الفلسطيني .
كما أنّ هذه الأحداث، اتخذت بعداً يستهدف حركة “فتح” الفصيل الفلسطيني الذي يمثل السلطة الفلسطينية، أي الشرعية الفلسطينية أمام العالم.
وفي المقابل، ظهرت معطيات تفيد بتنامي النفوذ الإسلامي والذي كان وراء التدهور في أوضاع المخيم بعد تسديده الضربة الموجعة لـ”فتح” على المستوى القيادي. كما لاحت بوادر لترتيبات ما يجري اتخاذها لإزاحة “فتح” من قيادتها لأكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان.
من هنا، بدأت الشكوك تتصاعد بعد امتداد التدهور في عين الحلوة لعدّة أيام، ما بدا أنّ هناك مخططاً يبدأ في هذا المخيم وينتهي بما يجري في المنطقة بين المعسكرين الكبيرين: الأوّل، المعسكر الذي تتزعمه السعودية والذي يضمّ كلّ ما يسمى قوى الاعتدال العربي. أما المعسكر الثاني، فتتزعمه إيران والذي يلخص بنفسه بشعار “وحدة الساحات” والتي تضمّ في صورة رئيسية التيارات الإسلامية في المنطقة وفي مقدمها “حزب الله” في لبنان، وحركة “حماس” في غزة.
في المقابل، يقول متابعون لتطورات عين الحلوة، إنّ هناك عوامل داخلية لا يستهان بها، هي أيضاً وراء تأجيج الصراع الأخير في المخيم. ومثل هذه العوامل كانت على الدوام وراء دخول العوامل الخارجية على خطّ النزاعات على الرغم من أنّها قد تكون من منطلقات عشائرية في غالب الأحيان.
كي لا يتمّ دفن الرؤوس في الرمال، لا بدّ من الانتباه دوماً، إلى أنّ لبنان هو على خط النار الإقليمي الذي ينطلق أحياناً من أسباب قد تبدو صغيرة في البداية، لتتحوّل لاحقاً إلى براكين. ومن يريد أمثلة، فلديه انطلاقة شرارة الحرب عام 1975 من بوسطة عين الرمانة وما سبقها وما تلاها من حوادث صغيرة، وسرعان ما صارت ناراً في هشيم خرق الأخضر واليابس في لبنان لمدة 15 عاماً.
من عين الرمانة بالأمس، إلى عين الحلوة اليوم، كم من عين ذرفت الدماء والدمع ولا تزال حتى الآن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |