بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟
وزارة التربية والمركز التربوي في لبنان يقومان بخطوات كبيرة نحو مأسسة وتنظيم التعلم الرقمي من خلال التكنولوجيا، وعلى الرغم من تحقيق ذلك من خلال وضع خطط واستراتيجيات وبرامج تدريب للمعلمين، إلّا أنّه لا بد من أن يترافق هذا الجهد مع تشريعات وقوانين، تلحظ الضوابط المطلوبة.
كتب مازن مجوز لـ”هنا لبنان”:
“لن يستخدم الأطفال في الصين الهواتف كما يحلو لهم”، هو تحرّك جديد أطلقته هيئة تنظيم الفضاء الإلكتروني الصينية في الثاني من الشهر الحالي، وقررت بموجبه السماح للمستخدمين، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً، بساعتين في اليوم، وللأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً، بساعة واحدة، بينما يُسمح للأطفال دون سن الثامنة بثماني دقائق فقط. وتأتي هذه الإجراءات الصينية في إطار الجهود المبذولة لحماية نَظَر التلاميذ وتحسين تركيزهم وحمايتهم من إدمان الإنترنت.
مخاطر هذه الظاهرة لم تتوقف حدودها عند الصين، إذ كشفت صحيفة “The Guardian” البريطانية في 3 حزيران الماضي بأنّ التحذيرات تزداد حول مخاطر الاستعمال المفرط للأطفال للهواتف الذكية؛ ما دفع البعض إلى اتخاذ إجراءات للحد من أضرارها؛ كذلك فقد دعت الحكومة الهولندية في 4 تموز الماضي، إلى حظر الهواتف المحمولة والساعات الذكية في المدارس الثانوية، معتبرة أنّها تتسبب بالتشويش على تعلّم الأولاد.
أما في لبنان فقد حذّرت منظمة “اليونيسكو” من الاستخدام “المفرط” للتكنولوجيا في المدارس، خصوصاً وسط أجهزة الكومبيوتر الموزعة من دون تمارين تربوية مطلوبة من التلاميذ، وصولاً إلى فقدان هؤلاء للمعارف الرئيسية… لافتة إلى أنّ “التكنولوجيا الرقمية في المدارس قد تنطوي على آثار ضارة، وفق بيانها الذي أكدت فيه على ضرورة إخضاع هذا المجال إلى القوانين” .
وتعلق ميسون شهاب مسؤولة قطاع التربية في لبنان في المنظمة على هذا الواقع لـ”هنا لبنان”، فتقول: “تحمل الثورة الرقمية إمكانات لا تُحصى، ولكن مثلما تم الإعراب عن التحذيرات حول كيفية تنظيمها في المجتمع، يجب إيلاء اهتمام مماثل للطريقة التي يتمّ استخدامها في التعليم، من خلال تحسين خبرات التعلم وكي تسخّر لصالح الطلاب والمعلمين ، وليس على حسابهما” .
وتتوقف شهاب عند أبرز الآثار الضارة التي قد تنطوي عليها التكنولوجيا الرقمية في المدارس في حال لم ترتبط بتوعية، ومن بينها: “انقطاع التركيز، نقص النوم، انعزال اجتماعي، تأثير على الصحة النفسية، وتعديل سلوك الطلاب”، مضيفة: “يمكن أن يؤثر الاستخدام المفرط للتكنولوجيا على سلوك الطلاب، ويقلّل التحفيز والاهتمام بالأنشطة الأخرى غير التقنية”.
ووفق شهاب فإنّ التكنولوجيا الرقمية إذا استخدمت بشكل متوازن ومنظم، يمكن أن توفر فوائد كبيرة للطلاب في تعزيز التعليم وتطوير المهارات الرقمية .
وكانت اليونيسكو قد دعت في وقت سابق إلى حظر عالمي للهواتف الذكية في المدارس، ورأت في تقريرها لمراقبة التعليم لعام 2023، أنّ هناك أدّلة على أن الاستخدام المفرط للهاتف المحمول يرتبط بتدني الأداء التعليمي للطلاب.
وهذا الواقع يدفع المعنيين في القطاع التربوي في التعليم الرسمي والخاص إلى تنظيم ورش عملية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحسين وتعزيز عملية التعلم والتدريس من خلال الاستفادة الأمثل من التقنيات الحديثة والبرامج المبتكرة، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي وبرامج مايكروسوفت أوفيس مثل Word وPower Point وExcel وغيرها. ومن ثمّ تزويد المشاركين بالمهارات اللازمة للاستفادة من التكنولوجيا في مجال التعليم وتحسين أدائهم كمدرسين بالدرجة الثانية.
وبالعودة إلى شهاب، فهي من موقعها، تدعو إلى إعتماد مجموعة من الحلول في المدارس اللبنانية من بينها: “إتاحة التكنولوجيا لجميع المتعلمين من دون تمييز، وضع أطر قانونية وضوابط ومعايير تؤمن الحد الأدنى من النوعية وحماية المتعلمين من الأذى”.
وتضيف بأنّ “المعلمين يحتاجون إلى التدريب المناسب”، موضحة أنّ “نصف البلدان فقط لديها حالياً معايير لتطوير مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمعلمين”.
وبرأيها فإنّ “القطاع التربوي بحاجة إلى تعليم الأطفال العيش مع التكنولوجيا وبدونها؛ لأخذ ما يحتاجونه من وفرة المعلومات، مع تجاهل ما هو غير ضروري؛ سيّما وأنّ التكنولوجيا لا تحل محل التفاعلات البشرية في التدريس والتعلم”.
ولا تنفي شهاب بأنّ وزارة التربية والمركز التربوي في لبنان يقومان بخطوات كبيرة نحو مأسسة وتنظيم التعلم الرقمي ومن خلال التكنولوجيا، وعلى الرغم من تحقيق ذلك من خلال وضع خطط واستراتيجيات وبرامج تدريب للمعلمين، فإنّها تطالب بأن يرافق هذا الجهد تطوير تشريعات وقوانين، تلحظ الضوابط المطلوبة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! | الإبداع اللبناني يسجل أرقاماً مذهلة تعكس وجه لبنان الراقي والحضاري |