رواتب موظفي القطاع العام مؤمّنة والسلطة تراوغ: 4 سيناريوهات متوقّعة
من أين ستأتي الدولة اللبنانيّة بالـ 55 مليون دولار؟ وكيف سيتمّ تأمين رواتب القطاع العام في الأشهر المقبلة مع التوّجه لإلغاء منصة صيرفة والشروط التي يطالب مصرف لبنان الحكومة بالإلتزام بها؟
كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:
ما إن أعلن المصرف المركزي برئاسة نائب الحاكم الأوّل وليد منصوري تعليق العمل بمنصّة صيرفة، حتى عادت أزمة رواتب موظفي القطاع العام إلى الواجهة من جديد. فبعد توقيف صيرفة يخشى الموظفون تقاضي رواتبهم بالليرة اللبنانيّة، لما لهذه الخطوة من مخاطر على الموظفين أنفسهم من جهة وعلى استقرار سعر صرف الدولار من جهة ثانية.
وتبلغ قيمة رواتب موظفي القطاع العام ومن ضمنها الأسلاك العسكريّة ما لا يقلّ عن 80 مليون دولار شهرياً، وهذا مبلغ يستحيل صرفه بالليرة اللبنانيّة، وإنّ هذه الخطوة ستؤدي حتماً إلى رفع الطلب على الدولار في السوق الموازية، ما سيرفع سعر صرفه، لتعود بذلك تقلّبات دولار السوق السوداء بعد أكثر من 4 أشهر على شبه الاستقرار، وهذا سيضرّ بالدرجة الأولى الموظفين الذين ستفقد رواتبهم ما تبقى من قيمتها.
إلى ذلك لا يتعدى مجموع جباية الدولة اللبنانيّة للضرائب والرسوم حاجز الـ20 ألف مليار ليرة شهرياً، أي ما مجموعه 25 مليون دولار شهرياً، علماً أنّ الدولة اللبنانيّة قد رفعت رسوم عدد كبير من الضرائب، كضريبة الدولار الجمركي، والـtva (الضريبة على القيمة المضافة) وضريبة الدخل، والضريبة على الأملاك البحريّة.
فمن أين ستأتي الدولة اللبنانيّة بالـ 55 مليون دولار؟ والتي تشكّل نسبة العجز. مع الإشارة إلى أنّ نسبة التهرّب الضريبي في لبنان تفوق الـ4.5 مليار دولار، فيما كانت الحكومة قد اعتمدت في موازنة العام 2019 سلسلة تدابير وإجراءات للحدّ من التهرب الضريبي، إلاّ أنّ هذه الخطوات وعلى ما يبدو باءت بالفشل.
في سياق البحث عن مخرج للأزمة السابقة، تبرز عدّة مواقف رسميّة، أوّلها موقف المصرف المركزي الرافض تماماً صرف أيّ دولار للحكومة قبل الموافقة على الاستقراض، فيما لا يزال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يحاول جاهداً، إيجاد حلّ لهذه المعضلة، أو أيّ صيغة لتأمين الرواتب، فيما يتمّ الحديث عن عدّة سيناريوهات أبرزها:
1- صرف الرواتب بالليرة اللبنانيّة، وهو ما سيرفع تلقائيّا من نسبة التضخّم ومن سعر صرف الدولار وغلاء المعيشة، وهو على الأغلب الخيار الأوّل والأكثر واقعيّة وتطبيقاً.
2- تقاضي الموظفين نصف رواتبهم بالليرة اللبنانيّة والنصف الآخر بالدولار. علما أنّ راتب أكبر موظّف في القطاع العام لا يتعدّى الـ200$ فيما معظم الموظفين لا تتجاوز رواتبهم سقف الـ140$. وهذا السيناريو يرتبط بمدى قدرة الدولة على تأمين مداخيل بالعملة الصعبة خلال فترة قصيرة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ تقاضىي الرواتب بالدولا، لم يعد مغرياً بالنسبة للموظفين، فالفارق بين سعر منصّة صيرفة 85500 ألف ليرة وسعر صرف الدولار في السوق الموازية 89 ألف ليرة تقلّص، وبالتالي لن يحقّق للموظّف أيّ مكاسب تذكر، كما كان الوضع سابقاً، فقيمة المنفعة التي ستحلقه لن تتجاوز الـ20$.
3- التعويل على المنصّة الجديدة التي يعمل عليها نائب حاكم مصرف لبنان الثالث سليم شاهين، والتي قد تكون مخرجا ًلأزمة رواتب القطاع العام، ومن المفترض أن يتمّ إطلاقها قبل موعد استحقاق دفع الرواتب.
4- صرف الرواتب عبر المصارف مع زيادة بنسبة 20% يتحمّلها المصرف لمركزي كتعويض للموظفين عمّا يمكن أن يخسروه في ظلّ غياب صيرفة. إلاّ أن هذا الحلّ تشوبه عقبات عديدة أبرزها صعوبة تأمين الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام عبر ماكينات المصارف، والتي سيتوجّب على أصحابها تعبئتها أكثر من مرّة في اليوم، كما أنّ هذه الخطوة ستؤدّي إلى طوابير ذلّ أمام ماكينات المصارف، التي سيتوجّه إليها الموظفون حاملين حقائبهم لتعبئتها بليرات فاقدة لـ90% من قيمتها الفعليّة.
ويذكر أنّ وزارة المال كانت قد حوّلت رواتب القطاع العام لشهر تمّوز إلى مصرف لبنان وهي عبارة عن الراتب الأساسي يضاف إليه ما يوازي راتبين إضافيين، وبدلات النقل عن شهر حزيران.
وأوضحت الوزارة أنّها وضعت آلية عمل للإدارات كي يتم صرف الرواتب السبعة دفعة واحدة وبانتظام اعتباراً من الشهر المقبل.
الرواتب مؤمّنة
في هذا الإطار يؤكّد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، لـ”هنا لبنان” أنّه “وبحسب ما وصله من معلومات من وزارة الماليّة فإنّ رواتب موظفي القطاع العام مؤمّنة بفضل عائدات الدولار الجمركي”، معتبرا أنّ “كلّ ما يحصل ليس سوى محاولة ضغط من قبل السلطة على القطاع العام، لإجبار الموظفين على القبول بالأمر الواقع ألا وهو أنّهم لن يستطيعوا الاستفادة من رواتبهم من خلال صيرفة التي أوقف العمل بها. فيصبح الموظّف أمام خيارين، إمّا تقاضي راتبه كاملاً بالليرة اللبنانيّة أو البقاء من دون راتب”.
وبحسب الأسمر ما يحصل ليس سوى محاولة من قبل السلطة التي تضغط باتجاه إرضاخ موظفي القطاع العام وجعلهم يرضون برواتبهم كما هي دون أيّ زيادة تذكر، ودون حتى المطالبة بتحسين هذه الرواتب تبعاً للوضع الاقتصادي.
وأوضح الأسمر أنّ “الموظفين سيتقاضون رواتبهم الـ7 إمّا نقداً أو عبر آلات المصارف، أو بوسيلة أخرى، فالرواتب مؤمّنة لهذا الشهر والشهر الذي يليه”.
ويضيف “خسرنا صيرفة التي كانت تؤمّن زيادة على الراتب وتفيد العسكريين وجميع العاملين في القطاع العام”.
ورأى الأسمر أنّه “على الدولة تفعيل الجباية وليس زيادة الضرائب، مع العمل على إعادة إحياء القطاع العام”، مطالباً بـ”خطوات جدّية ومساعٍ فعّالة لفتح جميع دوائر الدولة وعلى رأسها الدوائر العقاريّة والتي تشكّل مصدراً حيوياً لمداخيل الدولة”.
وسأل: “كيف يعقل أن تقترض الدولة من مصرف لبنان لتدفع رواتب القطاع العام فيما دوائرها العامّة مقفلة؟” مشدداً على ضرورة أن “يكون هناك حوار مع الرئيس ميقاتي لتفعيل القطاع العام الذي لا يمكن أن يستمرّ بالإضراب ولا بإقفال الإدارات العامة، فهذا الأمر يخسّر الدولة مداخيل هائلة”.