الرصاص الطائش والمواقف الطائشة!
المطلوب من القوى السياسيّة المختلفة إطفاء نيران الكراهيّة والأحقاد والابتعاد عن لغة التحريض التي سوف تؤدي، بشكل أو بآخر، إلى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع
كتب رامي الريّس لـ”هنا لبنان”:
كثيرة هي المشاهد التي يستعيد فيها اللبنانيون صور الحرب الأهليّة، وكثيرة هي عراضات الغضب المتنقلة بين المناطق المختلفة التي يُخرج فيها الشباب جُعب السلاح والرشاشات ويظهر البعض منهم ملثّماً ويطلقون النار في اتجاه السماء دون التفكير طبعاً أين ستسقط تلك الرصاصات الطائشة ومن سوف تقتل.
العشرات من الأبرياء سقطوا بالرصاص الطائش بما يعكس اتساع رقعة انعدام الإنسانيّة والانهيار الأخلاقي بحيث يُعبّر البعض عن غضبهم لسقوط قتيل أو أثناء تشييع حزين بالتسبب بقتل أشخاص لا ذنب لهم سوى أنّ القدر وضعهم في تلك اللحظة عند تلك النقطة الجغرافيّة، فلقوا حتفهم دون اقتراف أيّ خطيئة!
الرصاصات التي أصابت موكب وزير الدفاع كانت كذلك، وتعرّض سيّارة طبيب لبناني أثناء ممارسة عمله وانتقاله من منطقة إلى أخرى لرصاص مماثل لا يقلّ خطورة. أتذكرون اللاعب في المنتخب اللبناني لكرة القدم محمد عطوي الذي سقط بالطريقة ذاتها في العام 2020 وسواه العشرات ممن لا تتّسع أسطر المقالة لذكرهم.
لماذا يسقط اللبنانيون بهذه الطريقة الرخيصة والمثيرة للغضب دون أن يكونوا قد ارتكبوا أيّ ذنب؟ وإلى متى سوف تستمرّ هذه العادة السيئة التي تتسع دائرتها مع دخول عوامل التوتّر السياسي والأمني وتفاقم حالة الانهيار الاقتصادي والمالي التي لا نزال ندور في فلكها بعد ثلاث سنوات من بدايتها؟
بعيداً عن الدخول في مسبّبات الحوادث المتنقلة وهي على درجة عالية من التعقيد بسبب حدّة الإنقسام السياسي وعدم تفاهم القوى السياسيّة على الحدود الدنيا المتّصلة بتفعيل المؤسسات الدستوريّة وانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة واستعادة النشاط السياسي والدستوري وفق قواعد اللعبة الديمقراطيّة؛ ليس من مصلحة القوى السياسيّة استعادة مشاهد الحرب الأهليّة.
إنّ تأجيج الشارع واستنهاضه تحت عناوين وشعارات الحرب الأهليّة هو لعبة خطيرة سوف تقود لبنان مجدداً إلى أتون الإقتتال الداخلي الذي لا طائل منه لأنّه سوف يقود اللبنانيين مجدداً إلى خوض تجارب أليمة ومؤلمة نتيجتها الحتميّة والوحيدة هي الخسارة الجماعيّة على مختلف المستويات.
لذلك، المطلوب من القوى السياسيّة المختلفة إطفاء نيران الكراهيّة والأحقاد والابتعاد عن لغة التحريض التي سوف تؤدي، بشكل أو بآخر، إلى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع.
إنّ السعي لمجابهة المعادلات القائمة أو تغييرها بالقوّة وعلى “الحامي” هو مغامرة غير محسوبة النتائج، وجرّ البلاد إلى تجارب عسكريّة وأمنيّة جديدة هو أيضاً كاللعب بالنار. وفي الوقت ذاته، التباهي بفائض القوّة واستغلاله ضد اللبنانيين الآخرين بات عبئاً على أصحابه أولاً وعلى البلاد ثانياً ولا بدّ من وقفه.
الخلاصة أنّ الرقص على حافة الهاوية ليس من مصلحة أحد. هذا ليس منطقاً انهزامياً أو استسلاميّاً إنّما هو كلام عقلاني لتلافي الأسوأ. وكل كلام غير ذلك هو موقف غير مسؤول وغير عاقل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |