أكثر من ثلث أموال الـ”SDR” طارت: فأين صرفت وما المبلغ المتبقي؟
حّتى الآن قد أنفق لبنان ما يوازي الـ750 مليون دولار، ولم يبقَ سوى قرابة الـ 300 مليون دولار، في ظلّ غياب لأرقام دقيقة
كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:
استلم لبنان يوم الخميس بتاريخ 16 أيلول 2021، 1.135 مليار دولار من صندوق النقد الدولي ، ويمثّل المبلغ المحوّل حصة لبنان من الصندوق عن 2021 وقيمتها 860 مليون دولار، وعن العام 2009 وقيمتها 275 مليون دولار، وقد تمّ إيداعها في حساب مصرف لبنان. إلّا أنّه وبعد أقلّ من عامين، تمّ إنفاق أكثر من ثلثي هذه الأموال، فما هي هذه الأموال وأين طارت؟
تعريف أموال حقوق السحب الخاصّة؟
حقوق السحب الخاصة “إس دي آر” هي أصل احتياطي دولي مدرّ للفائدة أنشأه الصندوق عام 1969 كعنصر مكمل للأصول الاحتياطية الأخرى للبلدان الأعضاء، وتسمح لها بتقليص الاعتماد على الدين الداخلي أو الخارجي ذي التكلفة الأعلى من أجل بناء الإحتياطيات.
وفي العام 2009 نفّذ الصندوق خطوة مماثلة لدعم السيولة النقدية خلال فترة الأزمة المالية العالمية، في محاولة لإنعاش الإقتصادات.
وترتكز قيمة حقّ السحب الخاص على سلّة عملات دولية تتألف من الدولار الأميركي والين الياباني واليورو والجنيه الإسترليني واليوان الصيني.
وحقّ السحب الخاص ليس عملة ولا مطالبة على الصندوق، لكنّه مطالبة محتملة على عملات البلدان الأعضاء القابلة للإستخدام الحر.
ويحدّد الصندوق يومياً قيمة حق السحب الخاص بناءً على كم العملات الثابتة المدرجة في سلّة تقييم حقوق السحب الخاصة وأسعار الصرف السوقية اليومية بين العملات المدرجة في هذه السلّة.
وقد وافق مجلس محافظي صندوق النقد الدولي مطلع آب من العام 2021 على توزيع عام لما يعادل 650 مليار دولار من وحدات حقوق السحب الخاصة (456 مليار وحدة) على أعضائه لدعم السيولة العالمية، وهو التوزيع الأكبر على الإطلاق، لمساعدة الدول على تخطّي التداعيات الإقتصاديّة لأزمة كورونا، والتي فاقت الـ3 تريليون دولار.
أين صرفت أموال الـ”SDR”؟
أمّا في لبنان فقد تمّ استخدام هذه الأموال لغايات أخرى، لأنّ للدولة الحقّ في استخدامها بالطريقة التي تراها مناسبة. ولوزارة المال والحكومة الحقّ في التصرّف بهذه الأموال. وخلال سنة تقريباً، طار الجزء الأكبر من هذه الأموال، بلا خطة، ولا شفافية، ولا مشاريع استثمارية، ولا انتخابات بلديّة، ولا موازنة شفافة.
إلى ذلك تبيّن جداول لوزارة المال أنّه لغاية كانون الثاني الماضي:
– أكثر من 223 مليون دولار من مبلغ الـ”SDR” صرفت لشراء فيول لكهرباء لبنان
– 244 مليون دولار تقريباً أنفقوا على دعم الأدوية
– 121 مليون دولار ذهبت لدعم القمح
– أكثر من 13 مليون دولار ذهبت نفقات لإصدار جوازات السفر
– 683 ألف دولار رسوم قانونية مستحقة لوزارة العدل
– نحو 110 مليون دولار قروض مستحقّة لمؤسسات وجهات مالية دولية
– 35 مليون دولار رسوم خاصة بالـ “SDR”
وإذا أضفنا المبالغ التي صُرفت خلال شهري شباط وآذار لدعم الأدوية والقمح وغيرها، يبقى هناك نحو 300 مليون دولار أو أقل من مجمل المبلغ الرئيسي.
الحكومة مطالبة بالكشف عن الآلية التي صرفت وفقها هذه الأموال
في هذا الإطار يوضح الخبير الإقتصادي أنطوان فرح لـ”هنا لبنان” أنّ “وحدات السحب الخاصّة التي يعتمدها صندوق النقد الدولي، أو ما يعرف بالـSDR (special drawing rights) هي عملة ابتكرها صندوق النقد الدولي لدعم احتياطات الدول عندما تستدعي الحاجة. وسعر هذه العملة مرتبط بسلّة من العملات الدوليّة التي يعتمدها صندوق النقد. وسعر هذه العملة يتفاوت أيضاً بين الحين والآخر حسب أداء هذه العملات”، مضيفاً: “حصل لبنان في العام 2021 على حصّة من حقوق السحب الخاصّة، إذ قرر صندوق النقد توزيع أكبر قدر ممكن من حقوق السحب على الدول، لمواجهة تداعيات أزمة كورونا في العالم. علماً أنّ هذه عمليّة التوزيع الرابعة التي يقوم بها صندوق النقد الدولي والأكبر في تاريخه”.
ويتابع “بلغ حجم المبلغ الموزّع على الدول 650 مليار دولار، وكانت حصّة لبنان من هذا المبلغ 860 مليون دولار، إلاّ أن المبلغ الذي استلمه لبنان كان أكبر وبلغ مليار و139 مليون دولار، على اعتبار أنّ لبنان لم يأخذ حصّته في الـ2009 (لأنّ لبنان كان لديه فائض مالي من السنوات المتراكمة والتي وصلنا فيها إلى القمّة من الضخّ المالي داخل البلد، وعلى الرغم من الأزمة العالميّة التي ضربت جميع الدول آنذاك، إلّا أنّ لبنان لم يتأثّر، ولكنّ المعنيين لم يستفيدوا من هذا الواقع ولم ينشطوا الإستثمارات)، والصندوق احتفظ بهذا المبلغ للبنان، وأعاده له في الـ2021”.
ولفت فرح إلى أنّ “لا رقابة على كيفيّة صرف هذه الأموال باعتبار أنّها تصبح جزءاً من الإحتياطي بالعملات الأجنبيّة، وفيما كان الجميع موعوداً بأن يكون هناك شفافيّة في إنفاق هذه الأموال، وذلك وفق ما صرّح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إلاّ أنّ الواقع كان مغايراً، ولم يكن هناك أيّ حرص على إنفاق هذه الأموال في المكان المناسب. وحّتى الآن قد أنفق لبنان ما يوازي الـ750 مليون دولار، ولم يبقَ سوى قرابة الـ 300 مليون دولار، في ظلّ غياب لأرقام دقيقة”.
واعتبر أنّ “المطلوب من الحكومة إصدار بيان توضيحي يبيّن كيفيّة إنفاق المبلغ بالتفصيل، على أن توضع رقابة على المبالغ المتبقيّة، وفي حال أراد المعنيون الإنفاق منها يتمّ هذا الإنفاق بالمكان الصحيح”.