60 عاماً والدولة عاجزة عن إدارة قطاع الكهرباء.. فهل الخصخصة هي الحلّ؟
خصخصة القطاع بالكامل ستُفقِد الدولة واحداً من أهمّ مرافقها العامّة، والحلّ لا يكون باستبدال القطاع العام بالقطاع الخاص
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
لم يؤدِّ احتكار الدولة لقطاع الكهرباء في لبنان في العام 1964 سوى إلى مزيد من العجز والخسائر التي لم يتكلّفها اللبنانييون فقط ولا مؤسسة كهرباء لبنان بل ميزانيّة الدولة والمصرف المركزي أيضاً، حيث وصل حجم العجز في قطاع الكهرباء بنهاية العام 2022 إلى 44.3 مليار دولار. عجز كان كفيلاً لتصبح الإصلاحات في قطاع الكهرباء، الشرط الرئيسي للجهات المانحة لمساعدة لبنان.
ملايين الدولارات أنفقها المعنيون من رؤساء حكومات ووزراء طاقة تعاقبوا على إدارة القطاع، تمّ تبذيرها على خطط كهرباء فاشلة، وبواخر عتمة، واعتمادات لتأمين الفيول لتشغيل المعامل. وبعد 60 عاماً، وبعد الوعود والخطابات الفارغة بتأمين الكهرباء 24 على 24، بقيت النتيجة واحدة “العتمة الشاملة” على قاعدة “على الوعد يا كمّون”.
11 معمل كهرباء في لبنان
في لبنان 7 معامل حرارية لإنتاج الطاقة (تستخدم المحروقات مثل الفيول أويل، الديزل أويل أو الغاز أويل لتوليد الطاقة الكهربائية) وهذه المعامل هي معمل الذوق، الجية، صور، الزهراني، بعلبك، دير عمار، الحريشة، وتنتج ما مجموعه 2764 ميغاوات من الكهرباء. و4 معامل مائية (تستخدم المياه لتوليد الطاقة الكهربائية) وهي: معامل الليطاني (وهي عبارة عن ثلاث معامل تابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطانيج: أولي- جون- عبد العال) وتولّد ما مجموعه 252.6 ميغاوات.
مجموع الطاقة الكهربائيّة التي تولّدها هذه المعامل الإحدى عشرة تصل إلى قرابة الـ3000 ميغاوات، إلّا أنّ الكميّة الفعليّة التي تصل إلى المنازل أقلّ من ذلك بكثير، بسبب الخطوط الهوائيّة والكابلات الأرضيّة المهترئة المسؤولة عن نقل الطاقة من المعامل إلى البيوت من جهة، والأعطال المستمرّة في معامل الكهرباء بسبب قدمها، وتآكلها مع الزمن وعدم قدرة الدولة على استبدال الماكينات المهترئة بأخرى أو تأمين قطع التصليح المناسبة من جهة أخرى. فضلاً عن عجز الدولة الدائم عن تأمين المحروقات اللازمة لتشغيل المعامل الحراريّة ما يسبب انقطاع التيّار الكهربائي لساعات وأحياناً لأيّام وأسابيع في بعض المناطق.
الطاقة الشمسيّة بديل غير كافٍ
هذا وتقدّر حاجات لبنان من الكهرباء اليوم بـ 1700 ميغاواط/ساعة، بعدما كانت تقديرات مؤسسة كهرباء لبنان قبل العام 2019 تشير إلى 3200 ميغاواط/ساعة خلال ساعات الذروة.
تراجع الطلب على استهلاك الطاقة في لبنان أسبابه كثيرة، لا تنحصر فقط في ارتفاع فاتورة الكهرباء، سواء المنتجة من الدولة أو عبر مولّدات الأحياء ورداءة الخدمة، بل يعود ذلك لدخول الطاقة الشمسية إلى سوق الكهرباء في لبنان، والتي ساهمت بأكثر من 1000 ميغاواط/ساعة في انخفاض الطلب على الكهرباء عبر كل من الشبكة الرّسمية والمولدات.
وبحسب مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري، كانت مساهمة الطاقة الشّمسية في إنتاج الكهرباء عام 2010 صفرًا، قبل أن نشهد نموًا في قطاع الطاقة الشمسية يُقدر بـ140% سنويًا خلال السّنوات العشر الماضية، ففي نهاية عام 2020، كانت قدرة الطاقة الشمسية المركّبة تصل إلى 93 ميغاواط. بعد عامين، وتحديداً آخر العام 2022، ارتفع الإنتاج إلى 870 ميغاواط، وفي الأشهر السّتّ الأولى من السنة الجارية، دخلت 663 ميغاواط إضافية على الشّبكة”.
وعلى الرغم من ذلك لا تزال الدولة عاجزة عن تغطية الحاجة المتبقيّة للمواطنين من الطاقة الكهربائيّة، حتى خطة الكهرباء التي دخلت حيّز التطبيق منذ بداية العام الجاري لم تتمكّن من تأمين سوى ساعتين إلى 4 ساعات تغذية كهربائية يومياً فقط.
الحلّ بالخصخصة؟
مشاكل قطاع الكهرباء في لبنان تكاد لا تتوقّف، وآخرها اضطرار الشركة المشغلة لمعملي دير عمار والزهراني إلى توقيف عملها حتى تقوم الدولة بتسديد الفواتير المتوجّبة عليها لصالح هذه الشركة والتي تقدّر بنحو 83 مليون دولار. وبعد رفض المجلس المركزي في مصرف لبنان تحويل الأموال الموجودة في حساب مؤسسة كهرباء لبنان بالليرة اللبنانية إلى دولار، قرّرت الحكومة اللجوء إلى أموال السحب الخاصّة لتسديد جزء من المبلغ المترتّب عليها.
وأمام كلّ هذه “الخبصات” يعود اقتراح خصخصة القطاع إلى الواجه من جديد كالحلّ الأنسب لأزمة الكهرباء في لبنان.
فما مدى احتماليّة نجاح هذا الاقتراح؟ وهل الخصخصة هي الحلّ؟
في هذا الإطار يرى المدير العام للاستثمار سابقاً في وزارة الطاقة غسان بيضون، في حديثه لموقع “هنا لبنان” أن “لا حلّ يمكن اللجوء إليه حالياً لحلحلة أزمة الكهرباء، في ظلّ فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال ومجلس نوّاب لا يستطيع أن ينعقد. إنّما قد يكون هناك بعض الإجراءات التي من الممكن أن تحدّ من حدّة الأزمة”.
نحو خصخصة الإدارة
وعن اقتراح خصخصة القطاع الكهربائي في لبنان يجيب بيضون “أنا لست مع خصخصة القطاع بالكامل إنّما مع خصخصة الإدارة، أو إشراك القطاع الخاص بالإدارة، بشكل يسمح له بإدارة المؤسسة دون الخضوع لوزير الطاقة، حيث أنّ خضوع رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة كهرباء لبنان لإدارة الوزير هو خطأ. وعندما تتكلّف شركة خاصّة بإدارة الموسّسة لن تسمح للوزير بالتحكّم المطلق بالقرارات، وذلك أفضل من خصخصة المؤسسة”.
فخصخصة القطاع بالكامل بحسب بيضون، ستُفقِد الدولة واحداً من أهمّ مرافقها العامّة، والحلّ لا يكون باستبدال القطاع العام بالقطاع الخاص، كما أنّ هذه الخطوة ستدخلنا في سلسلة إشكاليّات تتطلّب تعديل قوانين وصلاحيات، في التنظيم الإداري للبنان بالمرسوم رقم 111 وبالموظفين، ونحن نخشى الدخول بتجربة فاشلة”.
ولفت إلى أنّ “المؤسّسة أصبح لديها شبكات عديدة مع القطاع الخاص الذي يتولى التوزيع والتشغيل والصيانة وتشغيل البواخر، إلّا أنّ تجارب الخصخصة في لبنان فاشلة نتيجة عدم الكفاءة بالتعاقد أو عدم اعتمادها نتيجة مناقصة شفافة، وغياب الرقابة عن أنشطتها”، مشيراً إلى أنّ “مقدمي خدمات توزيع الكهرباء نهبوا الكهرباء. ورفعوا بدل خدماتهم 4 أضعاف وأصبحوا يتقاضونها بالدولار، وكذلك كلفة التشغيل والصيانة، رغم أن الموظفين لبنانيون ويتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانيّة”.
لتفعيل الرقابة
وعن السبب الذي أوصل القطاع إلى ما هو عليه اليوم يرى بيضون أنّ “الدولة والمؤسسات وصلت إلى هذا الواقع المرير بسبب عدم وجود رقابة فاعلة، على الرغم من أن الدولة والمؤسسات مصممة بطريقة جيدة جداً، بحيث يكون هناك “كونترول داخلي” عبر التسلسل الإداري، فيكون كل موظف بمستوى معيّن يراقب ما قبله. والتراتبيات الإداريّة تتراوح بين رئيس مؤسسة ورئيس مصلحة ومدير فئة ثانية رتبة أولى، ومدير عام.. ويضمن هذا التسلسل الإداري وصول المعاملات بشفافية مع إصلاح الأخطاء، حيث أنّ لكلّ موظّف نظرة أوسع مما قبله.
وإلى جانب الرقابة الداخليّة هناك رقابة خارجية من قبل ديوان المحاسبة، التفتيش، النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة… وبالتالي المشكلة تكمن فقط بالرقابة. فإذا كانت الأجهزة الرقابية فعّالة وغير خاضعة للسياسة يجب أن تنتظم الامور الإداريّة داخل المؤسسة. لذلك علينا إعادة تفعيل التنظيم الإداري بشكل أن تكون رقابته الداخلّية والخارجيّة فعالة، وعندها لن نحتاج إلى تدخّل القطاع الخاصّ”.