نكتة للأجيال المقبلة
سيكون لدى الأجيال المقبلة، إذا أصاب تفاؤلنا بوعيها ونضجها، الكثير مما يُضحكها منّا وعلينا، ولن تكون فرنسا من الضاحكين
كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:
ستُحلّ، يوماً ما، عقدة رئاسة الجمهورية، وسينتهي النزاع على “أبوّة” الجمهورية الثالثة بين الشيعية السياسية والمارونية السياسية، وسيكون لدى الأجيال المقبلة، إذا أصاب تفاؤلنا بوعيها ونضجها، الكثير مما يُضحكها منّا وعلينا، ولن تكون فرنسا من الضاحكين، بل ممّن يثيرون أسبابًا للهزء والسخرية، والبداية لم تتأخّر، إذ بدأ بها الفرنسيون أنفسهم، وقد رأى فيها بعضهم شبهة وصايةٍ لا تليق بفرنسا، ولو من دولةٍ صديقةٍ على ملفّاتٍ سياديّة، بل ذهب بعض الفرنسيّين إلى اعتبارها “إهانةً للّبنانيين”، وفق ما عبّرت عنه عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي غوليه.
سؤالان وجّههما الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى الكتل النيابية عن المشاريع والأولويّات المتعلّقة بولاية رئيس الجمهورية المقبل، والمواصفات التي يجب أن يتمتع بها الأخير، في سياق تكوين مساحات مشتركة بين الأفرقاء المختلفين وإنتاج حلولٍ للمُعضلة الرئاسيّة، كأنما الأزمة اللبنانية اليوم ليست كخلاف 1840 على لعبة الكلة، ولا دول تبحث عن موطئ قدم على المتوسط، بهذه الفجاجة، ولا تبحث عن هلال شيعي. سؤالا الفرنسي ذكّرا جيلنا بالرحلات المدرسية التي تنطلق من سؤال عما يشتهي الطلاب التعرف عليه من جغرافيا البلد، وكثيرون منهم يعرفون عنها وإن لم يعاينوها.
يبدو سؤالا الموفد الفرنسي من “القياس الولادي، وكأنهما لملء الفراغ، أو كما يقول الشارع المصري، على الأقل في الأفلام،”عاوزين يرشوا الهواء ديكو”، أي حركة بلا بركة، خصوصاً أن لودريان أمام مهمة، في مشروع 20/30 السعودي ليس سهلاً التخلي عنها.
سؤالا لودريان، ذكّرا اللبنانيين بأسئلة عرفوها في طفولاتهم ويفترض، حسب أصدقاء الموفد الفرنسي ومسرّبي معلوماته أن تحضِّر للحوار المرتقب في أيلول، لا أن تُظهر مقاربةً ديبلوماسيّة فرنسيّة عميقة، تنسجم مع إدراك القائمين بها لجوهر المشكلة ولمواقف كلّ فريق، أو لنقل إنّها لم تُرد الإيغال في بحث النقاط، بالرغم من اختلاف درجة الوضوح بين فريق المعارضة وفريق “حزب الله” ذي الباطنية السياسية، وفق ما يعتبر مرجعٌ متابعٌ للملف، خصوصاً أنّ الأسئلة الموجّهة إلى النواب جاءت باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، والأكثرية، لا سيما أهل الحزب، تفضل الإجابة بالعربية وفي بحرها كمائن لغوية يضيع فيها ابن الضاد فكيف بغيره؟
المعارضة من جهتها ردّت بشكل مباشر على رسالة لودريان خلال بيان أكّدت فيه تمسّكها بالمواصفات التي تمحورت حول السيادة والإصلاح، وتحدّثت عن رؤيتها لمرحلة ما بعد انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وعدّدت المشاريع التي تتطلّع إلى متابعتها. فيما ردّ الحزب بالتمسك بالدستور والسيادة والاستقلال، وما يندرج في الإنشاء اللبناني من تغليف الحقائق.
من ذلك التكاذب الوطني، الذي كان ينبه إليه الشيخ بيار الجميل الجدّ، ومنه اليوم الكلام على الميثاق الوطني والأخوة، بينما الحقيقة هي نفسها ما كان في زمن غابر: كلٌّ يدعي أحقيّته في الهيمنة على البلد. فمنذ الإستقلال هيمن الفرنسيون عبر الموارنة، الشيخ بشارة الخوري رئيساً، ثم أتى الوضع الإقليمي بالشيخ بشارة الخوري بشبه انقلاب، ثم جاءت التسوية الدولية – الناصرية بفؤاد شهاب، إلى أن انفجر اتفاق القاهرة، وصارت وراثة الزعامة الناصرية حرباً مخابراتية بين بعثي دمشق وبغداد، وتحالف موسمي لكل منهما مع معمر القذافي في ليبيا، ولبنان، في كل الحالات، هو الساحة الأفضل.
في كل مرحلة مما سبق كان كل طرف يزعم لنفسه إنقاذ البلد من الدمار، وأن لولاه كان البلد تفتت ودُمّر وتعاظمت الكراهية بين أبنائه. وفي ظلال ذلك كثرت الوساطات التي ما كانت لتكون لولا مصالح الإقليم الإقتصادية والاستراتيجية، التي تتشابك اليوم أكثر من الزمن السابق، وتتعاظم وتغطي معظم الكرة الأرضية، ولبنان اليوم بعيد عن عين العاصفة، لكنها تراه من موسكو الى النيجر.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجرموز | من سيسرق المليار؟ | قربة مثقوبة |