كيف تُعزّز المصالحة وتُعمم التجربة؟
لا يمكن التقليل من أهميّة مصالحة الجبل وعدم إعارة الاهتمام لصمودها بشكل ملحوظ طوال السنوات المنصرمة وعدم تراجعها نتيجة سياسات مريضة أو مواقف تحريضيّة وغير قويّة
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
الزيارة المرتقبة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الجبل من شأنها التأكيد على المصالحة التاريخيّة التي عقدها سلفه الراحل البطريرك صفير في العام ٢٠٠١ مع النائب السابق وليد جنبلاط والتي ساهمت في طيّ ذيول الماضي وإغلاق صفحة أليمة من صفحات الحرب الأهليّة العبثيّة التي استمرت زهاء ١٥ عاماً.
لعل هذه الصفحة المضيئة من تاريخ لبنان المعاصر قد تكون واحدة من أهم إنجازات حقبة السلم الأهلي عقب إقرار اتفاق الطائف الذي أسكت المدفع وأنهى الحرب في لحظة إقليميّة ودوليّة مؤاتية لن يكون من السهل إعادة توليدها في لحظات البحث عن صيغة سياسيّة أو عقد اجتماعي جديد.
باستثناء مراحل محدودة من التوتر الطائفي التي افتعلتها أطراف لا مصلحة لها في إنجاح المصالحة طالما أنها لم تكن من صنّاعها الأساسيين، حافظ الجبل على الهدوء والاستقرار ولم تذهب حالات الاختلاف السياسي المشروع نحو تخريب هذا السلم، ربما على عكس ما كان يشتهيه البعض.
وعلى الرغم من التباين السياسي الذي طبع العلاقات الحزبيّة بين عدد من الأطراف الفاعلة، إلّا أنّ المصالحة بقيت صامدة وحافظت على سموها فوق الحسابات المصلحية والفئوية الضيقة. الأهالي في الجبل اليوم يتقاسمون الحلوة والمرة ويتشاركون العادات والتقاليد في القرى والبلدات المختلفة حتى ولو أنهم انقطعوا عن بعضهم البعض في حقبة الحرب.
ثمّة عناصر اقتصاديّة واجتماعيّة هامة يفترض بالدولة أن تتحمل مسؤوليّة توفيرها في إطار تأدية وظائفها السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وفي إطار مسؤوليتها لتثبيت السلم الاجتماعي وتعزيز أواصر الوحدة بين اللبنانيين وردم هوة الانقسامات العميقة بينهم.
لا يمكن التقليل من أهميّة مصالحة الجبل وعدم إعارة الاهتمام لصمودها بشكل ملحوظ طوال السنوات المنصرمة وعدم تراجعها نتيجة سياسات مريضة أو مواقف تحريضيّة وغير قويّة. هذه ليست تجربة عابرة: أن يتمكن الأهالي من تجاوز جراح الماضي الثقيل عبر التمسك بالمصالحة وعدم الانصياع لمحاولات التشويش عليها أو تخريبها فذلك يعكس وعياً سياسياً ووطنياً كبيراً.
ولكن، إذا هدأت هذه “الجبهة” نتيجة الجهود السياسيّة المتواصلة التي تصب في هذا الإطار، أو أنها تجذرت نتيجة تمسك الأهالي بها، فهذا لا يعني على الإطلاق أن لا حاجة للبحث في آليات لتثبيتها وتكريسها ولتعميمها كتجربة مضيئة في مناطق لبنانيّة أخرى تعاني من توترات أو أنها تنوء تحت أثقال الماضي.
ما لم تستخلص العبر من الماضي، سوف تتكرر المآسي في المستقبل.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |