جنبلاط و”الرسّام” هوكشتاين و”الملغم” عبد اللهيان
ناشد جنبلاط المبعوث الأميركي لشؤون الغاز والنفط آموس هوكشتاين لو “يرسم حقل بعبدا” غامزاً من الدور الحقيقي الذي جاء من أجله هوكشتاين في زيارته الأخيرة
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
ماضي اللسان مقتضباً وساخراً كعادته، صوّب وليد جنبلاط سهامه بالأمس نحو شخصيتين جسد حضورهما في بيروت مؤخراً انعكاساً لرؤية وكيفية ممارسة طرفي المعادلة، أي الولايات المتحدة وإيران، نفوذهما في لبنان المُسهَّل بطبيعة الحال، وأحياناً المنفَّذ من قبل بعض الأطراف المحلية. فقد ناشد جنبلاط خلال ترحيبه بالبطريرك الماروني بشارة الراعي في المختارة، المبعوث الأميركي لشؤون الغاز والنفط آموس هوكشتاين لو “يرسم حقل بعبدا” غامزاً من الدور الحقيقي الذي جاء من أجله هوكشتاين في زيارته الأخيرة، أي ترسيم الحدود البرية أو تحديدها، كما فعل خلال زيارته الأولى قبل نحو سنة عندما سهل، متنقلاً بين لبنان وإسرائيل، ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين. بدا جنبلاط وكأنه يستحضر شخصية وأسلوب البطريرك الراحل نصرالله صفير الذي كان له الفضل الأكبر في رعاية مصالحة الجبل التي احتفل جنبلاط والراعي بذكراها الثانية والعشرين. يومها، في 3 آب 2001، تحدى الاثنان النظام السوري الذي كان يمنع أي لقاء بين الأطراف اللبنانية. كما ناشد حنبلاط وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي حضر إلى لبنان للمرة الثالثة خلال سنة، الإفراج عن انتخاب رئيس الجمهورية. وفي كل مرة يصرح أنه مع انتخاب رئيس، وأن ذلك هو قرار لبناني لا شأن لبلده فيه.
عندما جاءنا هوكشتاين للمرة الأولى كانت المهمة مقايضة تسهيل إطلاق بدء الحفر والتنقيب عن الغاز والنفط في المياه اللبنانية بضمان الأمن لإسرائيل التي أنهت هي الأخرى عملية التنقيب وبدأت بالاستخراج والتصدير. والضمانة هذه كانت مطلوبة تحديداً من “حزب الله” الذي فاوض من وراء ميشال عون الذي كان لا يزال رئيساً في قصر بعبدا وبغطاء منه، والذي ضمن بدوره حصصاً مستقبلية في الغاز والنفط ما سهل عقد الصفقة بغض النظر عن مساحة وحدود الحقول والخطوط 29 أم 23…
وأمس جاء “رسّام الحقول” هوكشتاين مستطلعاً لتكرار التجربة الناجحة، ولكيفية إتمام عملية الترسيم البرية ومدى قابلية الفريق الممانع لعقد صفقة جديدة، والتي ستتناول هذه المرة رئاسة الجمهورية مقابل الضمانات الأمنية لإسرائيل. إلّا أنّ حسمها ليس بالأمر السهل إذ أنّ خطوط المناورة قد ضاقت هذه المرة بالنسبة لـ “حزب الله” الذي فقد أولاً حليفاً ثميناً هو التيار العوني الذي غطاه في مفاوضات الترسيم البحري رسمياً وسياسياً، على اعتبار أنّ رئيسه جبران باسيل كان يراهن على مكافأة أميركية برفع العقوبات عنه تؤمن له ورقة قوية في معركته الرئاسية، وهذا الأمر لم يحصل. لا بل، إنّ باسيل يقف اليوم على طرفي نقيض في رفضه دعم مرشح الثنائي سليمان فرنجيه للرئاسة، مما يزيد من صعوبة مهمة “حزب الله” في إقناع واشنطن في تبني ترشيح فرنجية ويعقّد إمكانية إنجاز الصفقة. كما أن أي صفقة أو اتفاق لا يمكن إنجازه ما لم يحظَ بموافقة وتوقيع رئيس الجمهورية، بحسب ما يقتضيه الدستور كما حصل في المرة الأولى، واليوم ليس هناك رئيس جمهورية في قصر بعبدا ليغطي بتوقيعه الترسيم البري مقابل الرئاسة. وربما لهذا السبب كانت جولة هوكشتاين سياحية “استطلاعية” أكثر منها “ترسيمية” كما طالب جنبلاط الذي يعرف ذلك تماماً.
ولذلك يتمسك “حزب الله” بترشيح فرنجية، وتكرر طهران كعادتها تأكيد عدم تدخلها بالشأن اللبناني مراهنة على قدرة الحزب على القيام بما عليه. حاول نبيه بري لعب آخر ورقة لديه تقوم على الجمع بين الحوار وجلسات الانتخاب لكنها فشلت، وبدت وكأنها محاولة للتشويش على مهمة الفرنسي لودريان القادم الإثنين. غير أنّ وزير الخارجية الإيراني يكثر من زياراته لبيروت وكأنه بدأ يشعر بأن المناورة بدأت تضيق، فهذا اجتماع فرنسي-سعودي-قطري مفاجئ في باريس يجعل من “اللجنة الخماسية” عملياً في حل من أي التزام (فرنسي) تجاه مرشح لفريق بعينه وتتجه نحو تسويق مرشح تسوية. فإلى متى يمكن أن يستمر هذا الكباش؟ وهل سيحسم عبد اللهيان أمره ويقنع “حزب الله” بأن الوقت قد انتهى؟…
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |