مجازر بيئيّة في البقاع الغربي بسبب السوريين: مكبّات عشوائيّة وتحويل مجارير إلى نهر الليطاني
تعاني معظم القرى المجاورة للمخيّمات من روائح سامّة وكريهة وخطيرة على مدار الـ24 ساعة من اليوم، نتيجة المجارير والمكبّات العشوائية
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
تحوّلت بعض بلدات منطقة البقاع الغربي إلى بؤر تلوّث خطيرة، بسبب المكبّات العشوائيّة الناتجة عن مخيّمات اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى مجارير مياه الصرف الصحي، التي تصبّ جميعها في نهر الليطاني. ما يهدّد بخطر بيئيّ حقيقي قد يضرب صحّة المواطنين القاطنين في المنطقة، إذ أنّ مياه نهر الليطاني، والتي تدار عليها مجارير الصرف الصحي يستخدمها معظم سكّان منطقة البقاع الغربي لريّ مزروعاتهم، ما يعني أنّ المحاصيل الزراعيّة تسقى بمياه ملوّثة بالصرف الصحيّ، ما يضرب الخضار والفاكهة، والتربة والمياه الجوفية ويتسبب بآثار إيكولوجية وأخرى إجتماعية ويؤثّر على الصحة العامة للأفراد حيث تحتوي المياه المبتذلة الخام، على بكتيريا وفيروسات وعلى طفيليات تسبب الأمراض. كما تهدد مكبات النفايات العشوائية بانتشار الحشرات المسببة للأمراض، ومن أبرزها الملاريا، بالإضافة إلى الحصبة واللشمانيا والإسهال الدموي الحاد، وحمى التيفوئيد، والتهاب الكبد الناجم عن المياه الآسنة المكشوفة، والأمراض التنفسية مثل تحسس الأنف، والربو، والتهاب الحنجرة والقصبات الهوائية.
تلكّؤ حكومي
وأمام هذه المخاطر البيئيّة والصحيّة الكارثية تقف الدولة عاجزة ومتلكئة عن المضي قدماً في أيّ خطّة قد تحلّ أزمة النازحين السوريين. وخير دليل على ذلك، تنحّي وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب عن مهمّته بترؤس الوفد اللبناني إلى سوريا، والذي كان من وظيفته البحث في ملفّ النزوح السوري وصولاً إلى إيجاد حلول لإنقاذ لبنان من هذه المعضلة. أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فوافق على تنحّي بو حبيب من دون أن يعيّن وزيراً بديلاً لرئاسة الوفد لزيارة دمشق.
في المقابل برزت بعض المحاولات والإجراءات المتواضعة، التي قادها محافظ البقاع كمال أبو جودة، بالتعاون مع قيادة مخابرات الجيش في البقاع والمديرية الإقليمية لأمن الدولة، عبر منع إقامة أي خيمة جديدة في أي مخيم في منطقة البقاع، وعدم استقبال أي نازح جديد من خارج لائحة المسجّلين في المحافظة، وهدم كل خيمة تخلو من ساكنيها مباشرة ومنع إقامة خيمة بمكانها تطبيقاً لقرار مجلس الدفاع الأعلى، إلى جانب التشدّد بمنع بناء أي حائط في المخيّمات. وقد طبّقت هذه الإجراءات بصرامة.
في المقابل يسعى وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، إلى وضع خارطة طريق لإدارة النفايات الصلبة، وهو ما شرحه في جولته الأخيرة في محافظة البقاع بعد أن تفقّد المكبّات العشوائيّة في المنطقة، معلناً عن اقتراح رسم النفايات، أو رسم استرداد الكلفة بحسب ما ينتج من نفايات في كلّ منطقة، على أن يبدأ في المناطق الريفية بدولارين أما في المدن بـ 3 دولار.
جور صحيّة مكشوفة تصبّ في نهر الليطاني
وللإستفسار أكثر عن هذا الملفّ تواصل موقع “هنا لبنان” مع النائب عن دائرة البقاع الثانية شربل مارون، الذي اعتبر في حديث خاص أنّ “الجمعيات يتحكّم بها مجرمون بيئيّون وليست جمعيّات إنسانيّة، فهي تغطّي وتساهم في ارتكاب جرائم بيئيّة كارثيّة بحقّ منطقة البقاع وأهلها”، شارحاً أنّ “الاتفاق كان ينصّ على أن تقوم الجمعيات التي تعنى بشؤون اللاجئين بشفط مياه الصرف الصحي إلى محطّات تكرير، على أن تتمّ معالجة هذه المياه، لإعادة استخدامها، إلّا أنّ ما حصل على أرض الواقع، والذي تبيّن في جولاتنا على المخيّمات، هو أنّ الجور الصحيّة تركت مكشوفة، وتصبّ مباشرة في نهر الليطاني، بحسب ما يظهره الفيديو أدناه”.
ويتابع “راجعنا مدير الليطاني سامي علويّة الذي يتابع ملفّ اللاجئين منذ العام 2017، وقد رفع العديد من الطلبات للأجهزة الأمنيّة للتحرّك في ملفّ الصرف الصحي، ومكبّات النفايات العشوائيّة. وبعض هذه الملفّات حُرِّكَ فيما البعض الآخر لا يزال عالقًا”.
ورأى أنّ ما يحصل هو “جريمة بيئيّة كبيرة، حيث تعاني معظم القرى المجاورة للمخيّمات من روائح سامّة وكريهة وخطيرة على مدار الـ24 ساعة من اليوم، نتيجة المجارير والمكبّات والتي ترمى على طول مجرى نهر الليطاني بكميّات ضخمة، فتسمّم المياه الجوفيّة، ومياه ريّ المزروعات”، سائلاً “أليس من المفترض أن تكون هذه الجمعيّات حقوقيّة وبيئيّة؟”، واتهمهم بأنّهم “يحملون مشروع توطين مبطّن، وعلى رأسهم رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يتهرّب من دوره، للمحافظة على مصالحه الشخصيّة. وهو ما حصل لدى تغيّبه عن الردّ على قرار البرلمان الأوروبي في ما خصّ توطين السوريين”.
أزمة معمل فرز جبّ جنين
وبدوره شرح رئيس مصلحة الليطاني الدكتور سامي علويّة في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “المشكلة الأولى هي بالنفايات الصلبة والثانية بالنفايات السائلة أو الصرف الصحي. وفي ما خصّ الأولى، فالأزمة موجودة على مستووين: المستوى الكبير هو لبلدات البقاع الغربي والأوسط والشمالي، بسبب إقفال معمل الفرز في جب جنين وامتلائه وعدم توفير أموال لتشغيله، ما عرقل خطة البيئة. وتمّ نقاش هذا الملفّ بين محافظ البقاع ومحافظ بعلبك ووزير البيئة الذي اقترح أن يتمّ تمويل معمل الفرز بأموال القرض المخصّص من البنك الدولي لرفع التلوث عن بحيرة القرعون، وجاءت الموافقة إلّا أنّها تحتاج إلى وقت ليعمل بها، بسبب شروط البنك الدولي المعقّدة”.
تواطؤ بين جمعيّات ورؤساء بلديات
أمّا المستوى الثاني فهو في النفايات الصلبة لمخيّمات النازحين السوريين العشوائيّة، والتي يعزّزها غياب الجمعيّات التي تتعاون مع الـUNHCR عن القيام بدورها لأسباب مجهولة. وكنّا قد وجهنا كتاباً بهذا الخصوص، للنيابة العامة التنفيذية مع مطالب من المحافظين على نقل هذه المخيمات العشوائية وقدمنا إخباراً من العام 2018 و2019 و2020 بحق بعض الجمعيات ورؤساء البلديات المتورطين الذين تعهدوا بجمع النفايات مقابل مبلغ مقطوع عن كل نازح سوري، ويتذرعون بأنهم ينتظرون النتائج عن مصير معامل الفرز المتعلقة بالمنطقة ككلّ”.
64 مليون متر مكعّب من مجاري الصرف الصحي
وعن المشكلة الثانية، وهي في الصرف الصحي، يقول إنّ “وزارة الطاقة تقاعست مع مجلس الإنماء والإعمار عن تنفيذ محطّات تكرير مع العلم أنّه تمّ إنشاء الشبكات إلّا أنّ المحطّات لم تستكمل، فيما المحطّات الموجودة تعمل بشكل جزئي. وبذلك أصبحنا أمام مشكلة 60 مليون متر مكعب من مجاري الصرف الصحي. أمّا على مستوى النازحين، فقد أجرينا في العام 2019، مسحاً وتبيّن أنّ هناك أكثر من 300 تجمّع على طول مجرى النهر، يرمون نفاياتهم ويحوّلون مياه صرفهم الصحيّة على النهر، بما يقارب الـ 3 إلى 4 مليون متر مكعّب، وقد أرسلنا كتاباً إلى الـ UNHCR مع تحديد مواقع المصبّات، ليبلّغوننا بأنّهم بدأوا بوضع خطّة لتركيب ما يسمّى بمنظومات لتجميع مياه الصرف الصحي ونقلها إلى خزانات تجميع وكان من المفترض أن تتنهي النقاط ببداية كانون الثاني من العام 2020 ، إلاّ أنّهم لم يلتزموا سوى بـ 20% من الخطّة. فقمنا برفع دعوى لدى القاضي المنفرد الجزائي بحقّ جمعيّة انترسورس التي تدير هذا المشروع، وأمرها بتركيب محطّات التكرير. ليأتي اعتراض من قبل وزراة الطاقة على قرار القاضي باعتبار أنّه إذا ما ركبت للسوريين هذه المحطّات فذلك سيسمح لهم بالبقاء في المنطقة. وهكذا بقيت القضيّة ضائعة بين القضاء والإدارة والعنصريّة والإهمال”.
ويتابع “كانت الـUNHCR متعاقدة مع عدد كبير من المتعهدين، لشفط مياه الصرف الصحي ونقلها إلى محطّات تكرير في جب جنين، لنتفاجأ أنّ هؤلاء المتعهّدين يشفطون المياه ويصبّونها في نهر الليطاني. فتقدّمنا بشكوى بحقّ جميعة “سوا” المسؤولة عن إدارة هذا الملفّ، وتمّ استدعاء المعنيّين، ولا نزال بانتظار الحلول”.
ويكشف إنّ “وزارة الطاقة كانت قد وضعت خطّة لتنظيم برك تجميع وتجفيف، وهذه الخطّة برأيي متعثّرة. وهكذا يبقى ملفّ تلوّث نهر الليطاني والمكبّات العشوائيّة رهن فشل إدارة الدولة لأزمة النازحين وفساد بعض الجمعيات المعنيّة بالملفّ”.
كلمة الفصل الأسبوع المقبل
مشيراً إلى “أنّنا ادّعينا لدى النيابة العامّة بأنّ هذه الجمعيات لا تقوم بعملها، وهذا الادعاء نقوم بمتابعته مع المحامين منذ نحو 10 أيّام، والأسبوع المقبل سيكون فاصلاً في هذا الموضوع وإذا لم تقم النيابة العامة بمحاسبة هذه الجمعيّات لن نتمكن من بناء بلد. وسنخرج إلى الرأي العام ونطالب بإزالة الخيم إذا ما استمرّت الجمعيّات بالسماح بتلويث المنطقة، ولم تجد حلًّا للضرر البيئي والصحيّ الناتج عن مخلفات النازحين السوريين”.
وشدّد على “أنّنا إنسانيين لأبعد حدود، ونقوم بدورنا، إلا أنّه لا يمكن التساهل مع النزوح والتنظيم السوري العشوائي في لبنان. حيث أنّ الجمعيّات تمادت، وأصبحت تملي على رؤساء البلديات ما عليهم فعله، فيما تهدّد بتوقيف المشاريع وقطع التمويل في حال لم تتمّ الاستجابة لمطابها”.
وعن الضغوطات التي يتعرّض لها رئيس الحكومة وغيره من الوزراء أجاب “كلّ شخص عليه ضغوطات وهو عاجز عن إحداث أيّ فرق أفضل له أن يستقيل، فالبلد ليس للبيع بل هو لنا ولأبنائنا”.
تضارب بين أرقام الـUNHCR والدولة اللبنانيّة
وعلى الرغم من الفارق الكبير في أعداد اللاجئين السوريين بين ما تصرّح عنه الجهّات الرسميّة اللبنانيّة وهو نحو المليونين والنصف نازح، والذي يعتبر رقمًا مضخّماً، وبين ما تفصح عنه المنظّمات المانحة وفي طليعتها الـ UNHCR المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، وهو 815 ألف نازح، وهو ما تزعم بأنّه عدد المسجّلين لديها، وممّا لا شكّ فيه أنّه رقمٌ لا يعكس الواقع، فيما هناك حديث عن إخفاء المنظّمات للأعداد الفعليّة للنازحين في لبنان. إلّا أنّ القاسم المشترك الوحيد بين ما يصدر عن الدولة اللبنانيّة والمنظّمات الدوليّة، هو أنّ للبقاع حصّة الأسد من حيث عدد النازحين الذين احتضنتهم المنطقة، لتتصدّر الأخيرة رأس قائمة المناطق التي استضافت النازحين من حيث أعداد المقيمين فيها ومخيّماتهم.
وبحسب التقديرات الرسميّة تضمّ محافظة البقاع الغربي حوالي الـ450 ألف نازح، بينما يبلغ مجموع عدد المسجّلين لدى UNHCR في البقاع الأوسط، والبقاع الغربي وراشيا 220 ألف نازح وفقاً لإحصاء منشور عن أعدادهم حتى نهاية عام 2022.
في المقابل، لمحافظ البقاع كمال أبو جودة، رأي آخر، حيث كشف أنّ الرقم 450 ألف ثابت منذ عام 2019، حين أجرى إحصاءً خاصاً نقل أرقامه إلى اجتماع إدارة الكوارث والأزمات الذي شارك فيه في مركز الأمم المتحدة بجنيف، ورفع خلاله الصوت لمطالبة المجتمع الدولي بمساعدة لبنان لحلّ مشكلة النازحين لديه. ما يعني أنّ أرقام الـUNHCR وللمرّة الثانية لم تصب العدد الصحيح للنازحين السوريين. وقد يعتبر البعض هذه الأخطاء صدفة، إلّا أنّ الأكيد أن لا صدف في لبنان، خصوصاً بعد تصريح النائب الفرنسي تيري مرياني، عن قرار البرلمان الأوروبي الهادف لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، ما يؤكّد أنّ هناك قراراً دوليًّا وضغوطات دوليّة على لبنان لإبقاء النازحين، وهو ما يبرّر الأعداد المخفّضة لهؤلاء.
مخيّمات اللاجئين منتشرة في معظم بلدات البقاع
ومن أكبر أعداد مخيّمات اللاجئين السوريين في البقاع نذكر مخيّمي “العودة” و”الياسمين” في بلدة بر الياس، واللذين يضمّان وحدهما نحو سبعين ألف نازح. فيما يقدّر مجمل عدد النازحين في البلدة بنحو مئة ألف.
ويذكر أنّ جزءاً من نازحي بر الياس كانوا قد انتقلوا إلى مخيّماتها على أثر أحداث الجرود في عرسال، وذلك قبل أن يتّخذ مجلس الأمن الفرعي برئاسة المحافظ أبو جودة قراره بمنع إضافة أي خيمة جديدة لتجمّعات النازحين في البقاع منذ أكثر من خمس سنوات.
وتتوزّع كثافة النازحين السوريين في البقاع الغربي بالدرجة الثانية بين كلّ من بلدة غزة، المرج، جب جنين، كامد اللوز وحوش الحريمة. علماً أنّ مركز القضاء في جب جنين يضمّ 5 تجمّعات كبيرة للمخيّمات، إلى جانب المخيّمات الصغيرة. ويوازي مجموع المقيمين فيها إلى جانب المقيمين في مبانيها السكنية ضعف عدد أهالي البلدة البالغ نحو 8 آلاف نسمة.
وكما البقاع الغربي، نال البقاع الأوسط حصّته من النازحين، وتحديداً بلدة زحلة، التي تتوزّع فيها المخيّمات على ثلاث مناطق عقارية، قام أصحابها بتأجيرها للمنظّمات الدوليّة لإقامة المخيّمات، حيث أنّ ذلك حقق لهم أرباحاً أكبر بكثير من الزراعة، وهذه الأراضي هي في حوش الأمراء (تضمّ 27 مخيّماً للنازحين)، ومنطقة المعلّقة (تضمّ 52 مخيّماً)، وبلدة تعنايل (تضمّ 12 مخيّماً).
للإطلاع على الكتب المرسلة والتقارير إضغط أدناه:
إخبار إلى النيابة العامة بالمخالفات القانونية
كتاب إلى وزير الطاقة حول الصرف الصحي
الكتاب الموجه من المصلحة إلى UNHCR
على المصلحة الوطنية لنهر الليطانيUNHCR رد