تراجع الصادرات والواردات: أرقام الجمارك غير دقيقة وزيادة العجز تبشّر بزيادة الضرائب
تظهر أرقام الجمارك اللبنانية تراجعاً في نسبة الواردات بحدود الـ9.3%، فيما الصادرات تراجعت بحدود الـ24%، لتزيد نسبة العجز التجاري 5.7%
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
غالباً ما تشهد حركة الصادرات ارتفاعاً في الدول التي تعاني من أزمات إقتصاديّة، كنوع من تدابير تتخذها الحكومة لإدخال المزيد من العملات الصعبة إلى البلد. وتكون للمنتوجات المحليّة الصنع حصّة الأسد عادة من هذه الصادرات، حيث تجد هذه الأخيرة بالأزمة فرصة لها لتعويم السوق المحلّي، فتأخذ مكان البضائع المصّدرة، الأغلى كلفة، لكون ثمنها بالدولار، وللتوسّع باتجاه دول الخارج سعياً إلى دخول أسواق جديدة، وتوسيع رقعة عملها، وبالتالي إدخال الدولارات إلى البلد. إلّا أنّ لبنان قد خالف القاعدة العامّة، حيث شهدت صادراته ووارداته على حدّ سواء حركة تراجع تخطّت الـ30% .
بين أرقام 2023 و2022
تظهر أرقام الجمارك اللبنانية تراجعاً في نسبة الواردات بحدود الـ9.3%، فيما الصادرات تراجعت بحدود الـ24%، لتزيد نسبة العجز التجاري 5.7%. والنسبة الأكبر لهذا التراجع كانت من حصّة المنتجات النفطيّة (20%) والمعدنيّة والسيارات. حيث تظهر أرقام الميزان التجاري في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023، أنّ حجم الصادرات اللبنانيّة في هذه الفترة لم يتخطّ 1.6 مليار دولار أميركي، أي بانخفاض كبير نسبته 24.2% مقارنة بالفترة المماثلة من العام 2022. فيما قفزت قيمة السلع التي استوردها لبنان بنسبة 39%، لتتجاوز حدود 19.05 مليار دولار في نهاية العام 2022، ما جعلها تلامس مستويات ما قبل الأزمة عام 2019.
دراسة أرقام الـ2022
في حين انخفض الناتج المحلّي الإجمالي، أي الدخل الوطني أو الثروة الوطنية، بأكثر من 40% منذ العام 2019، عادت الواردات في العام 2022 إلى مستواها قبل ثلاث سنوات، وبلغت 19.05 مليار دولار، وهي أكثر بنحو 3% من متوسّط الاستيراد في خلال السنوات العشر الماضية. وارتفعت فاتورة الاستيراد في العام 2022 بنحو 5.41 مليار دولار بالمقارنة مع العام السابق، وبزيادة 40% عن العام 2021 ونحو 69% عن العام 2020.
في المقابل ارتفع العجز التجاري إلى 15.5 مليار دولار في العام 2022، أي ما يساوي العجز في العام 2019، مع مفارقة أنه بات يمثّل الآن نحو 74% من الناتج المحلي الإجمالي بالمقارنة مع 30% في العام 2019.
3 أسباب رئيسيّة وراء تراجع الواردات
في هذا الإطار اعتبر نائب رئيس جمعيّة الصناعيين، زياد بكداش في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّ أرقام واردات العام 2023 أكثر منطقيّة من أرقام العام 2022، وهي تعكس الحركة الطبيعيّة كما هي، دون أن تتأثّر بأيّ عوامل أخرى. حيث أن حجم الواردات لعام 2022 بلغ 19 مليار، ولكن إذا حذفنا منه أرقام واردات السيارات المستعملة وغير المستعملة، والمحروقات، ومعدّات وأدوات تركيب أجهزة الطاقة الشمسيّة، يبقى لدينا 11 مليار فقط من الواردات. وذلك يعود للأسباب التالية: فأوّلاً، تزايد إقبال المواطنين على شراء أجهزة الطاقة الشمسيّة، في محاولة لحلّ أزمة الكهرباء عبر اللجوء إلى الطاقة البديلة ما رفع كميّة استيراد هذه المعدّات، وبالتالي أثّر على الواردات. ثانياً، سارع أصحاب معارض السيارات إلى شراء كميات ضخمة من السيارات المستعملة والجديدة قبل أن ترتفع ضريبة الـtva التي كانت تحتسب على سعر الصرف 1500 ليرة إلى 85 ألف ليرة، ما أثّر بدوره على أرقام الواردات. أمّا ثالثاً، فإنّ كميّة المحروقات التي كان يستوردها لبنان كانت تكفي لبلدين، حيث هُرّبت نسبة كبيرة منها إلى سوريا، ما استدعى استيراد المزيد لعدم كفاية الكميّة”.
وحتى الـ11 مليار، يضيف بكداش، والتي تتألّف بمعظمها من مواد استهلاكية وغير استهلاكية، فهي لا تشكّل الحاجة الحقيقيّة للسوق اللبناني، حيث كانت تهرّب كميّات كبيرة من هذه المواد إلى سوريا أيضاً، ما خلق نقصاً بهذه المواد في السوق واستدعى استيراد المزيد منها”.
أمّا في عام 2023، يتابع، فقد خفّ الطلب على الطاقة البديلة، حيث أنّ الجزء الأكبر من المواطنين قد انتهوا من تركيب أنظمة الطاقة الشمسيّة لديهم، وكذلك توقّف مستوردو السيارات عن طلب المزيد خصوصاً بعد ارتفاع الدولار الجمركي، وسعياً لتصريف البضاعة المخّزنة لديهم، أمّا حركة التهريب عبر الحدود فخفّت نسبياً بالمقارنة مع عام 2022، بفضل عمل الأجهزة الأمنيّة. وهو ما يفسّر حركة تراجع الواردات، ويضاف إلى ذلك انخفاض القدرة الشرائيّة للمواطنين والتي انعكست تلقائياً على الطلب، الذي تراجع بدوره. فرواتب القطاع العام بقيت كما هي فيما أسعار السلع ارتفعت، وبالتالي لم تعد الرواتب تكفي سوى للحاجات الأساسيّة فقط. أمّا رواتب القطاع الخاص وبالرغم من أنّها أفضل من العام، إلاّ أنّها لا تتناسب والوضع المعيشي القائم، وسبب عدم رفعها يعود إلى ضعف أعمال الشركات وتأثرها بالأزمة الإقتصاديّة”.
أرقام الصادرات غير دقيقة
وفي موضوع تراجع الصادرات يقول بكداش أنّ السبب الأوّل يعود إلى أنّ “أسواق السعوديّة والبحرين لا تزال مقفلة أمام لبنان، فيما التصدير من لبنان إلى الإمارات تعرقله مشاكل التأشيرات (الفيزا)، وهي متوقّفة حالياً، فكيف للفرد أن يبيع إنتاجه داخل بلد ما إذا كان ممنوعاَ من السفر إليه؟”
واعتبر أنّ أرقام الجمارك ليست دقيقة والدليل على ذلك أنّه وبأوّل ثمانية أشهر من العام 2023 تقول الأرقام أنّ نسبة صادرات لبنان إلى الإتحاد الأوروبي هي بقيمة 259 مليون دولار، أمّا أرقام الاتحاد الأوروبي فهي مغايرة وتظهر أنّ نسبة الصادرات من لبنان إليها بلغت 452 مليون دولار، أي بفارق 200 مليون دولار بين الأرقام اللبنانيّة والأوروبيّة. على الرغم من أنّ معظم البضائع التي تصدّر إلى دول أوروبا لا يوضع عليها جمرك، فيما بعض الأصناف فقط قد تطالها الضريبة الجمركيّة. ما يفسّر أنّ هناك أصنافاً تصدّر بنصف فواتير أو تدخل بطريقة أخرى ونحن قد بلّغنا المجلس الأعلى للجمارك بذلك”.
ويشرح أنّه وبهذه الطريقة تخسر الدولة عائدات ضخمة من الضرائب الجمركيّة، نتيجة التهرّب الضريبي. فيما يتوجّب على الأجهزة الرقابيّة مقارنة الجداول اللبنانيّة مع الأجنبيّة، لمعرفة من هم التجار الذين يتلاعبون بالفواتير، لكشف التهريب الحاصل. وفضلاً عن الدول الأوروبيّة، للدول العربيّة والأفريقيّة حصّتها من الفواتير المخفّضة أيضاً”.
وهو ما دفع ببكداش إلى الشكّ بأنّ “أرقام الصادرات فعلاً متراجعة. فكلّ ما في الأمر أنّ الأرقام غير دقيقة”.
وبالإضافة إلى التهرّب الضريبي، من الأسباب التي ربما أثّرت على حركة التصدير ، يضيف، قرار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب العام الماضي، بتصريف الملحقين التجاريين وعددهم 15 وبالتالي توقيفهم عن العمل، وكنّا قد سعينا لإبقائهم في وظائفهم في العام 2022، لنتفاجأ بأنّ الوزير ومنذ 3 أشهر طلب منهم التوقّف عن العمل في آخر هذا العام أي في 31-12 – 2023، فكيف لهذا الموظّف أن يستمرّ بالإنتاجيّة فيما هو مدرك أنّه سيخسر وظيفته، وبالتالي أثّر ذلك على عمليّة تسويقهم للبضائع اللبنانيّة ما انعكس على أرقام التصدير”.
أمّا السبب الثالث بحسب بكداش فهو “أنّ معظم زبائن الخارج الذين كانوا يستوردون البضائع من لبنان ودول أخرى، توقّفوا عن الاستيراد بعد أزمة كورونا التي ضربت العالم، حيث تخّزنت لديهم كميات كبيرة من البضائع لا يزالون يعملون على تصريفها حتى اليوم”.
وشدّد على “أهمّية القطاع الصناعي لكونه القطاع الوحيد القادر على التقاط الضربات، حيث أنّ الصادرات الصناعيّة تعتبر ثاني أهمّ مدخول للعملات الصعبة إلى البلاد إلّا اّنه على المسؤولين أن يعوا مدى أهميّة هذا القطاع وأن يعملوا على حمايته وتطويره”.
وطمأن بكداش إلى أنّ “أرقام صادرات لبنان في العام 2024 ستعود أكبر من العام 2023، إلاّ أنّه يجب التنبّه إلى خطورة التفلّت الضريبي والذي يشكّل بحسب وزارة الماليّة 60% من حجم الإقتصاد. والمطلوب التشدّد في الجباية، وتحقيق المساواة بين المواطنين في الضرائب، مع مقارنة الأرقام بين لبنان ودول أخرى”.
العجز في الميزان التجاري سيؤدّي إلى المزيد من الضرائب
من جهتها حذّرت مصادر اقتصاديّة في حديثها لموقع “هنا لبنان” من خطورة العجز في الميزان التجاري، حيث أنّ ذلك يعني أن الدولة تنفق أكثر مما تكسب في اقتصادها. وبالتالي، قد تضطر الحكومة إلى تطبيق ضرائب جديدة أو الاقتراض من دول أخرى أو منظمات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي (IMF) لتغطية النقص في الميزانية. وهو ما يحصل اليوم، وظهر واضحاً من خلال سلسلة الضرائب الجديدة التي وضعتها الحكومة في موازنة العام 2024″.