لبنان بين وحدة الساحات وتشتت الإرادات
يبقى لبنان منهمكاً بكابوس شغوره الرئاسي والخلاف في اللجنة الخماسية بين أميركا وفرنسا ما حال دون صدور بيان عن إجتماعها بمستوى أقل من وزاري على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، كما يشغله هاجس من سيكون رئيساً لجمهورية غير موجودة
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
هل تدرك المنظومة المتحكّمة بلبنان أبعاد التحذير الذي أطلقه أمير قطر الشيخ تميمم بن حمد آل ثاني من على منبر الأمم المتحدة من أنّ “الخطر أصبح محدقاً بمؤسّسات الدولة في لبنان”، مؤكّداً على “ضرورة إيجاد حلّ مستدام للفراغ السياسي في لبنان، وإيجاد الآليات لعدم تكراره، وتشكيل حكومة قادرة على تلبية تطلّعات الشعب اللبناني والنهوض به من أزماته الاقتصادية والتنموية”؟
هل يفهم أسياد المنظومة أو الطغمة الحاكمة وإعلامها عمق الفارق بين تعبير “الفراغ السياسي” الذي اعتمده أمير دولة قطر ولازمة “الشغور الرئاسي” التي تهيمن على الهاجس السياسي المرضي في لبنان من دون محاولة طرح سؤال جوهري-مركزي-منطقي: “هل توجد دولة في لبنان كي ننتخب لها رئيس، أم نحن أمام واقع دولة انهارت مؤسّساتها ما يتطلّب إيجاد الآليات التي تحول دون تكرار المأساة” كما ذكر سمو أمير دولة قطر؟
المطلوب أوّلاً إعادة إحياء دولة ماتت، ومن ثم العمل على ضمانة عدم تكرار الوباء الذي أدّى إلى موتها، وبعد ذلك – فقط بعد ذلك- نذهب لإنتخاب رئيس للدولة الجديدة الصحيحة البنية التي لا تظهر عليها عوارض الحوار والنقاش والتوافق وبدعة اختيار رئيس وفق تجربة اختيار بابا روما من دون التوقف أمام عمق الفارق بين جوهر وتاريخ “مدفئة” حاضرة الفاتيكان “ومشحرة” قاعة المجلس النيابي التي غادرتها “قبة البرلمان” هرباً من وباء الإرتعاش النصابي وعدواه القاتلة التي لا شفاء منها ولا لقاح يحمي، ومن يصاب بها مصيره الموت كما ماتت دولة لبنان التي نشهد لطميات جنازتها على خشبة مسرح وحدة ساحات غبّ الطلب قتلت سوريا والعراق واليمن وتعمل على قتل ما تبقى من فلسطينيين في الشتات وعلى أرض فلسطين.
وذكّر أمير قطر في كلمته بالأمم المتحدة أنه “لا يجوز التسليم بالظلم الواقع على الشعب السوري كأنه قدر”، علماً بأن سوريا صارت مقسمة إلى خمس مناطق نفوذ:
سوريا الأسدية-الروسية، سوريا-الإيرانية، سوريا-التركية، سوريا-الأميركية، وسوريا ثورة السويداء التي تنادي بسقوط الأسد وبعثه المنبعث من مهرجان بمدينة بعلبك في سهل البقاع اللبناني على حدود نفوذ دولة بشار.
فلسطينياً، رأي أمير قطر، أنه “لا يجوز أن يبقى الشعب الفلسطيني أسير تعسّف الاحتلال الإسرائيلي” مشدّداً على أن “الاحتلال يتخذ شكل نظام الفصل العنصري في القرن 21”. في إشارة إلى النظام الذي كان مطبّقاً في جنوب أفريقيا قبل إطلاق نلسون مانديلا من السجن.
وأضاف سُموّه: “علينا ألّا ننسى أنّ هناك شعوباً في العالم تشغلها مآسي الحاضر، ومن واجبنا العمل على رفع الظلم عنها”.
ملفتة الإشارة إلى معاناة “الشعب الفلسطيني” ما يطرح السؤال: هل ما زالت “القضية” الفلسطينية على قيد الحياة؟ وهل ما زال “حل الدولتين وحق العودة” شعاراً ومطلباً لدى الشعب الفلسطيني، بشقيه، أي شعب الشتات المنتشر في مختلف قارات كوكب الأرض، والشعب المقيم على ما تبقى من أرض الكيانين الفلسطينيين (الإثنين): فلسطين الأخوانية-الحماسية-الإيرانية في غزة “والمستعمرات” التي حاولت إقامتها تحت مظلة وحدة الساحات الممانعة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بلبنان على أنقاض منظمة التحرير الفلسطينية ممثلةً بحركة فتح والفصائل السيادية-القومية غير المتأيرنة، والشعب الفلسطيني المقيم في الضفة الغربية ويتبع لإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
شعب الشتات، وتحديداً المكتسب جنسيات دول أجنبية، لا يعني له شيئاً موضوع “الدولتين” فهو يمتلك جنسيته الجديدة والحقوق التي اكتسبها بموجبها.
أما مسألة العودة فتبقى “حاجة عاطفية” يستطيع الفلسطيني المجنس أن يلبيها بواقع جنسيته التي تتيح له زيارة مناطق جذوره في فلسطين.
أما غير المجنّس، فهو عملياً مهتم أكثر “بحق المواطنة” أي حقّ ممارسة العمل والتملك والإستفادة من التقديمات الصحية من دون المطالبة بالجنسية كي لا يثير لدى البيئات التي يعيش ويعمل فيها حساسية التجنيس أو التوطين.
الأجيال التي غادرت فلسطين في العام 1948 انقرضت إجمالاً، ومن لجأ إلى الجوار طفلاً مع أهله، صار كهلاً، علماً أنّ شريحة منهم اكتسبت جنسيات الدول العربية التي عملوا في قطاعاتها النفطية، وصارت لهم من ذريتهم موظفين في تلك الدول في القطاع العام المدني والعسكري، كما في السلك الدبلوماسي إضافة إلى النجاحات التي حققها بعضهم في القطاع الخاص، خاصة في قطاع المال والأعمال.
تذكير أمير قطر بأن الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين “يتخذ شكل نظام الفصل العنصري في القرن 21” وتأكيده على أنه “علينا ألا ننسى أن هناك شعوباً في العالم تشغلها مآسي الحاضر، ومن واجبنا العمل على رفع الظلم عنها”، يؤشران بوضوح إلى ما تشهده الساحة الدولية من ضغوط أميركية وغربية عموماً على العدو الإسرائيلي للحد من وحشية مستوطني اليمين الصهيوني وتقديم “تنازلات فعلية تحفّز الفلسطينيين، وتحديداً أنصار السلطة الوطنية الفلسطينية والفصائل المتعاونة معها على القبول بتسوية يعمل عليها ليس مع الفلسطينيين حصراً بل أيضاً مع العرب الرافضين للتمدد الإيراني في المنطقة العربية عموماً،” وفق مصدر دبلوماسي غربي رفيع ما زال فاعلاً في دوائر القرار بصفة خبير على الرغم من تقاعده.
“تحقيق هذا الهدف، كما كل التسويات الجذرية التي ترسم مساراً جديداً للعالم أو لمحور منه، كالمتوسط الجديد مثلا تستغرق وقتاً طويلاً، لكن تطبيقها التدريجي عادة يسبق الإعلان عنها. إنه مسار طويل” أضاف المصدر.
“Achieving this goal, as all radical settlements that chart a new path for the world, or for an axis of the world, such as the New Mediterranean, for example, takes a long time, and its gradual implementation usually precedes declaring its achievement. It is a long shot.”
هكذا ختم المصدر-الخبير مداخلته باللغة الإنكليزية.
وفي هذه الأثناء يبقى لبنان منهمكاً بكابوس شغوره الرئاسي والخلاف في اللجنة الخماسية بين أميركا وفرنسا ما حال دون صدور بيان عن إجتماعها بمستوى أقل من وزاري على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، كما يشغله هاجس من سيكون رئيساً لجمهورية غير موجودة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |