ارتفاع ملحوظ في معدل الجرائم.. هل أمن لبنان المجتمعي في خطر؟
يكاد لا يمرّ أسبوع في لبنان من دون أن تسجّل جريمة جديدة ومروّعة، والضحايا من جميع الفئات العمرية، ومن مختلف المناطق. واللافت في الآونة الأخيرة، إبتكار المجرمين أساليب جديدة لجرائمهم، مطمئنين أننا نعيش في غابة لا حسيب فيها أو رقيب ولا رادع
كتبت ريتا صالح لـ “هنا لبنان”:
بات القلق والخوف يلازمان اللبنانيين في يومياتهم، خصوصاً بعد أن زعزع الإنهيار الاقتصادي ركائز حياتهم الأساسية، وامتد ليطال أمنهم الفردي والمجتمعي، إثر ارتفاع معدلات الجرائم.
فيكاد لا يمرّ أسبوع في لبنان من دون أن تسجّل جريمة جديدة ومروّعة، والضحايا من جميع الفئات العمرية، ومن مختلف المناطق. واللافت في الآونة الأخيرة، إبتكار المجرمين أساليب جديدة لجرائمهم، مطمئنين أننا نعيش في غابة لا حسيب فيها أو رقيب ولا رادع يوقفهم عن ارتكاب جرائمهم الوحشية. فالقوانين التي لا تنفّذ بحزم وجدية من قبل الدولة اللبنانية جعلت المجرم يقترف جريمته من دون الخوف من أي عقاب.
لا شكّ بأن الأزمة الاقتصادية المالية قد ساهمت بتدهور الوضع العام في لبنان، وخصوصاً أن انهيار الدولة بمعظم ركائزها تسبب بزيادة معدل الجريمة، إلّا أن الجوع والفقر والبطالة وتزايد أعداد المغتربين من نازحين سوريين ولاجئين فلسطينين وعمّال من كافة الجنسيات الأجنبية، ينذر بتفاقم الوضع الاجتماعي من سيئ إلى أسوأ، وخصوصاً أن مرتكبي الجرائم في لبنان ليسوا فقط من اللبنانيين…
كما أنّ هناك عدّة عوامل تضاف إلى العامل الاقتصادي خلف أسباب الجريمة.
فمن الناحية القانونية، يؤكد المحامي بالاستئناف جورج الرّيس لـ “هنا لبنان” أنه مع إستمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تزداد وتيرتها بفعل اشتداد الأزمة المالية التي أفقدت المواطن اللبناني قدرته الشرائية نتيجة انهيار العملة الوطنية، أصبح تأمين الاحتياجات الأساسية عبئاً ثقيلاً على كاهله، إذ باتت السرقة بدافع الجوع والخطف بهدف الحصول على فدية مالية من أكثر الوسائل شيوعاً في الآونة الأخيرة في بلد يزيد فيه غياب الأمن وانعدام العدالة الاجتماعية بالتزامن مع موجة من الضغوط النفسية من ارتفاع معدلات السرقة والخطف والقتل والإنتحار. واعتبر الريّس أن تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان لا تتوقف عند حدود الانهيار الاجتماعي والصحي والتعليمي فحسب، بل بلغت مرحلة تهديد الوضع الأمني، وتفلت الجريمة، التي بدأت تتفشى بوتيرة سريعة في عدد من المناطق، لافتاً إلى أن العصابات التي تمتهن جرائم السلب والسطو المسلح والقتل اتخذت من الوضع الاجتماعي والتراخي الأمني فرصة لتفعيل عملياتها بما يسهل عليها الإفلات من العقاب.
وشدد الريّس على أنّ التسيب الأمني يترافق مع عاملين سلبيين للغاية؛ الأول ضعف قدرة الأجهزة الأمنية في مكافحة الجريمة بسبب الأوضاع المالية والاجتماعية واللوجستية الصعبة التي يعانيها ضباط وعناصر الأجهزة الأمنية، وتراجع جهوزيتها عما كانت عليه قبل الأزمة، والثاني الاعتكاف القضائي، وامتناع معظم قضاة النيابات العامة عن تلقي الاتصالات من الأجهزة للتبليغ عن الجرائم وإعطاء الإشارة حول كيفية معالجتها.
أمّا من الناحية الاجتماعية والنفسية، تشير الأخصائية والمعالجة النفسية فالنتينا عطية لـ “هنا لبنان” إلى أن الشخص يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، من الناحية السلبية أو الإيجابية، أي أن البيئة الحاضنة له هي من تزرع في داخله سلوكاً معيّناً، مضيفةً أن جريمة القتل هي حقيقة تختلف بحسب كل منظور، من الناحية الاجتماعية، القانونية والنفسية. وتابعت أنه من الناحية الاجتماعية والاقتصادية فأبرز الأسباب التي تؤدي إلى عملية القتل، هي الفقر، الوضع الاقتصادي، والوضع العائلي والتربية وغيرها. أمّا من الناحية النفسية، فإنّ الأسباب تكون ناتجة عن ماضٍ معيّن حيث يعتقد الفرد بأنه دائماً على حق، كما أن الأسباب تختلف من شخص إلى آخر ولكن النتيجة واحدة. وتشير عطية إلى أن أسلوب التربية ضمن العائلة يلعب دوراً كبيراً في شخصية الفرد، خصوصاً إذا كان يعيش ضمن عائلة فيها كره، حب السيطرة، حب التجربة والمغامرة، وكسر القوانين، بالإضافة إلى أننا أصبحنا نعيش في مجتمعات تحتوي على تغييرات ثقافية وإعلامية تساهم في قيادة العنف بعدّة طرق. وفي المقابل، أكدت عطية أن تطوّر عالم “السوشال ميديا” خلق أيضاً هاجساً سلبياً للأشخاص الذين هم تحت خط الفقر، وشكّل لديهم سلوكاً من الغيرة، الأنانية، الطمع، وبالتالي لم يعد لديهم إكتفاء ذاتي، ممّا يعزز غريزة القتل والإجرام لديهم، كونهم غير راضين عن مستوى حياتهم. وأضافت أن في لبنان هناك مجتمعات تنصّ عاداتها وتقاليدها على العنف وأخذ الثأر، بالإضافة إلى غياب الدولة والأمن اللذين يجعلان كل فرد يفكر بأخذ حقه بمفرده من دون اللجوء إلى القانون والقضاء. ولفتت إلى أن بعض الجرائم تحصل تحت تأثير الكحول والمخدرات، مضيفة أنه عادةً من يلجأ إلى العنف يكون لديه شخصية عدوانية ولا يملك طريقة أخرى في التعبير. وختمت عطية أن هناك الكثير من المشاكل النفسية التي تدفع الشخص الى ارتكاب جرائم القتل، وكل حالة تختلف عن الأخرى.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الصحة الإنجابية في خطرٍ كبير… لبنان كالصين: ولد واحد لكل عائلة! | القطاع التعليمي في لبنان عالق بين “الردّين” و”المفاوضات” | أحداث الجنوب تربك اللبنانيين.. إلغاء رحلات ورفع للأسعار! |