حملة “الطاقة” لإزالة التعديّات مسرحيّة فاشلة: الدفع بالدولار التفاف على القانون وفضائح في ملفّ مقدّمي الخدمات
إمكانية دفع المواطنين لفواتير الكهرباء بالدولار الأميركي النقدي أو بالليرة اللبنانية ستؤمّن المرونة للمواطنين لاختيار العملة التي تناسبهم، خصوصاً وأنّ سعر الدولار المعتمد الآن في استصدار الفاتورة والبالغ نحو 103،000 ليرة لكل دولار سوف يحفّز المواطنين على الدفع بالدولار فيرفد المؤسسة بالدولارات التي تحتاجها لاستكمال التنفيذ الناجح لخطة الكهرباء ولزيادة التغذية
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
أطلقت وزارة الطاقة والمياه حملة جديدة لنزع التعديّات على شبكات الكهرباء، في محاولة لضبط الهدر في الكهرباء، ورفع نسب جباية فواتير الكهرباء. وباستخدام أسلوب الجزرة والعصا على قاعدة “بتدفع بتاخد كهرباء”، أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان، أنها “استناداً إلى قرار مجلس إدارتها رقم 420-22/2023 تاريخ 06/09/2023، وعطفاً على النتائج الإيجابية التي يحققها استكمال تنفيذ خطة الطوارئ الوطنية لقطاع الكهرباء لغاية تاريخه، سوف تعمد إلى زيادة التغذية الكهربائية بمقدار ساعتين (2) إضافيتين يومياً زيادة على عدد الساعات المقرر عموماً، وذلك اعتباراً من أوّل الشهر الجاري أي يوم الأحد الواقع فيه 1/10/2023 وحصراً للمخارج الجديدة التي تم الكشف عليها خلال استكمال المرحلة الأولى من خطة نزع التعديات عن الشبكة الكهربائية والتي تبين أن نسبة عدد المخالفات عليها إلى عدد المشتركين أقل من 10 في المئة. وذلك عملاً بخطة التغذية بحسب نسب الهدر غير الفني التي أقرها مجلس إدارة المؤسسة بموجب قراره رقم 484 تاريخ 20/12/2022”.
11 منطقة شهدت رفع التعديات في الآونة الأخيرة
ويصل عدد مخارج التوتر المتوسط، إلى 800 مخرج، تشمل المرحلة الأولى من خطة نزع التعديات المذكورة أعلاه الكشف على 216 مخرجاً منها، ضمن نطاق بيروت الإدارية والمناطق المغذاة من معامل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، إضافة إلى كافة مخارج التوزيع التي تغذي مرافق عامة في كافة المحافظات اللبنانية.
وقد تم الكشف لغاية اليوم على 71 مخرجاً في بيروت الإدارية، إضافة إلى مخارج مخصصة لمرافق عامة. على أن تستكمل حملة الكشف ونزع التعديات على مخارج أخرى وفق الإمكانيات المتاحة في هذه المرحلة. ولتشمل في مراحل أخرى كافة المناطق اللبنانية، وذلك تباعاً بحسب القدرات اللوجستية المتاحة للمؤسسة وبالتنسيق مع القوى الأمنية.
وعن المخارج الإضافية التي استكمل الكشف عليها مؤخراً، نذكر: شمعون، حناوي، ساسين، حايك، عازوري، جوبيتير، كتائب، نبيل، سوكلين، تاباك، مجلي، مياسي، فهد، وسيستفيد المواطنون الذين يتغذون من هذه المخارج بزيادة التغذية بالطاقة الكهربائية، بمقدار ساعتين (2) إضافيتين يومياً، وهي تغذي جزءاً من المناطق التالية:
الأشرفية، الحكمة، الرميل، المدور، الجميزة، الباشورة، الكرنتينا، النهر، المنارة، راس بيروت، الكومودور.
دفع فواتير الكهرباء بالدولار؟
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الطاقة والمياه عن موافقة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على إمكانية دفع المواطنين لفواتير الكهرباء بالدولار الأميركي النقدي أو بالليرة اللبنانية النقدية بحسب رغبة كل مواطن. وذلك بموجب استشارة كانت قد طلبتها مؤسسة كهرباء لبنان من الهيئة وتلقّتها بتاريخ 20/9/2023.
وأوضحت وزارة الطاقة أن هذا الإجراء يحتاج، كي يدخل حيّز التنفيذ، إلى قرار من مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان تعمل المؤسسة حالياً على تحضيره بحيث سيسهم ذلك في معالجة مشكلة تأمين السيولة بالعملة الصعبة للمؤسسة بغية دفع مستحقاتها بالدولار أو بالليرة.
وأشارت وزارة الطاقة إلى أن ذلك سيؤمّن المرونة للمواطنين لاختيار العملة التي تناسبهم للتسديد، خصوصاً وأنّ سعر الدولار المعتمد الآن في استصدار الفاتورة والبالغ حوالي 103،000 ليرة لكل دولار سوف يحفّز المواطنين على الدفع بالدولار بهدف التوفير من جهة، ويرفد من جهة أخرى المؤسسة بالدولارات التي تحتاجها لاستكمال التنفيذ الناجح لخطة الكهرباء ولزيادة التغذية.
فما مدى إمكانية تطبيق خيار دفع فواتير الكهرباء بالعملة الصعبة؟ وهل حملة إزالة التعديّات التي أطلقتها وزارة الطاقة فعّالة وقابلة للتطبيق على جميع الأراضي اللبنانيّة؟
حملة وزارة الطاقة لإزالة التعديات هي “كذب ودجل”
في هذا الإطار اعتبر المدير العام للاستثمار سابقاً في وزارة الطاقة غسان بيضون، في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “حملة وزارة الطاقة لإزالة التعديات هي كذب ودجل. حيث أنّه من المستحيل أن تزيل مؤسسة كهرباء لبنان التعديات. فعندما كان كيلووات الكهرباء يباع بـ35 ليرة وكان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، والحدّ الأدنى للأجور 300$، وكان الأمن مستتباً، كان المواطنون يسرقون الكهرباء، فكيف ستكون الحال اليوم ودولارنا قارب الـ90 ألف ليرة، والبلد في انهيار اقتصادي، وكيلووات الكهرباء يباع بـ15 ألف ليرة، فيما رواتب القوى الأمنيّة المولجة برفع التعديّات لا تكفيهم لدفع فاتورة الكهرباء الخاصّة بهم؟”
وسأل بيضون “هل بإمكان مؤسسة كهرباء لبنان أو وزارة الطاقة الدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها العشائر أو أحزاب معيّنة وإزالة التعدّيات منها؟ كلّ ما يحصل ليس سوى مسرحيّة يمثّلون من خلالها على الناس. ومثالاً على ذلك ما حصل منذ فترة، حين وثّق هؤلاء من خلال وسائل الإعلام قيامهم بنزع أحد التعدّيات على شبكة الكهرباء في منطقة بيروت، ليتبيّن فيما بعد أنّ الرجل يملك عدّاداً ويدفع فواتيره، ويستفيد من الكهرباء بطريقة شرعيّة وقانونيّة”.
حجم التعدّيات ارتفع من 25% إلى 65%
ولفت إلى أنّ “حجم التعدّيات ارتفع من 25% إلى 65% بعد رفع التعرفة، أمّا السبب وراء انخفاض نسبة التعديات في منطقة بيروت، فيعود لكون هذه المنطقة تتضمّن فئة كبيرة من الميسورين، وعدداً كبيراً من الشركات الخاصة، والسفارات، والمنظّمات الدولية، والمكاتب والمصارف، فمن الطبيعي أن تكون نسبة التعديات في مناطق كالمنارة وغيرها أقلّ بكثير من مناطق أخرى. حيث أنّ الإلتزام بتسديد فواتير الكهرباء ناتج عن الوضع الإقتصادي للمستهلك”.
وعن مكافأة المناطق التي لا تتعدّى نسبة التعديّات فيها حاجز الـ10% بساعتي كهرباء إضافيتين، يرى بيضون أنّ “هذه الخطوة غير عادلة وغير قانونيّة. وهي تظلم من يقوم بدفع فواتيره لكنّه يقطن في منطقة تشكو من نسبة عالية من التعدّيات. فلا يستطيع وزير الطاقة أو مؤسسة كهرباء لبنان كبّ عجزهما على المواطنين “الأوادم”، مضيفاً “أنا لا أثق بمعلومات كهرباء لبنان، فهي منحازة بهدف تسليط الضوء على مسألة تريد تحقيقها لنفسها”.
ملفّ مقدّمي الخدمات
وذكّر بـ “ملفّ مقدّمي الخدمات الذين فرضهم وزراء الطاقّة على كهرباء لبنان في العام 2012، بتكلفة مشروع بلغت 780 مليون دولار لمدّة 4 سنوات. مقابل تطوير شبكات الكهرباء في المناطق السكانيّة التي توسّعت مساحتها ولم تعد المحوّلات فيها تكفي لتلبية حاجة السكّان من الكهرباء. كما كان من المفترض تركيب عدادات وشبكات ذكيّة على أن يسجّل المحوّل كميّة الكهرباء التي يسحبها وتسجّل العدادات كميّة الكهرباء التي استهلكت. ومن هنا يتبيّن إذا ما كان هناك سرقة أم لا. فضلاً عن تحسين الجباية وخفض السرقات من خلال الشبكة الذكية. إلّا أنّ الجباية لم تتحسّن، والسرقات لم تكشف، والعدادات لم تركّب، والمحوّلات لم توسّع. فيما الكلفة زادت على عاتق مؤسسة كهرباء لبنان. وكان مدير المشروع آنذاك، منير يحيى، صاحب شركة needs، قد أرسل مكتوباً للوزارة قال فيه إنّ “المشروع فشل فشلاً ذريعاً، وبات يشكّل نزفاً مالياً، ويجب توقيفه ليقوم الوزير بطرده وتعيين غيره”.
وشرح أنّ “كهرباء لبنان كانت تسدد قسماً من ثمن الفيول للدولة اللبنانيّة، التي كانت تدفع المبلغ المتبقّي بإطار “مساهمة لسدّ جزء من العجز”. وكانت التعرفة 25$ للطن الواحد. ليطالب وزير الطاقة بمنع وزارة الماليّة من أخذ هذه الحصّة من مؤسسة كهرباء لبنان، لتصبح بذلك وزارة المال مسؤولة عن دفع المبلغ كاملاً، فيما وقع على عاتق مؤسسة كهرباء لبنان تسديد تكاليف البواخر، وبدل أتعاب مقدّمي الخدمات. وبهذه الخطوة استنزاف لخزينة الدولة، ولكهرباء لبنان. وبقي وزراء الطاقة الذين توالوا على الوزارة يكابرون، ومدّدوا العقود مقدّمي الخدمات من خارج الأصول، دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، الذي كان قد وافق سابقاً على الاستعانة بمقدمي الخدمات ضمن ورقة “سياسة القطاع” لمدّة ثلاث سنوات، كمرحلة انتقاليّة”.
وإلى ذلك، يضيف بيضون “كان مطلوباً من شركات مقدّمي الخدمات تحقيق مؤشرات أداء معيّنة (KPI) مقابل أن تعطيهم كهرباء لبنان مستحقاتهم، وإذا لم ينجحوا بذلك يخصم المبلغ من مستحقاتهم. إلّا أنّ الوزارة عادت ومدّدت لهذه الشركات وأعفتهم من تأدية المؤشرات، ما يؤكّد وجود تحاصص”.
مناورة والتفاف على القانون
وعن مسألة جباية فواتير الكهرباء بالدولار علّق بأنّ ّ”لليرة اللبنانيّة قوّة إبرائيّة لا محدودة، ولا أحد يحقّ له الفوترة بالدولار. حيث بإمكان المؤسسة حسب التعرفة بالدولار، على أن تترجم بالليرة اللبنانيّة على الفاتورة وفق سعر صرف السوق. فيما ما يحصل ليس سوى مناورة والتفاف على القانون. حيث أنّ حجّة وزارة الطاقة لرفع التعرفة كانت تأمين توازن مالي لكهرباء لبنان، حيث تسدد عائداتها ونفقاتها. ونفقات الأخيرة جزء منها بالدولار وآخر بالليرة. فكيف يمكن للمواطن أن يدفع فاتورته بالدولار، فيما احتسبت نفقات الكهرباء على سعر صرف 103 آلاف، بينما دولار السوق السوداء هو 89 ألف ليرة؟ ما يعني أنّ المؤسسة لم تعد غايتها من رفع الفاتورة سدّ النفقات فقط إنّما تحقيق الأرباح أيضا”.
ربح من دون وجه حقّ
وأشار بيضون إلى أنّ “قرار رفع التعرفة لا يشمل الـ 20% الإجباريّة. فعندما حصل الإتفاق بين مصرف لبنان و”الطاقّة” على أن يعطي الأوّل الثانية دولارات على سعر صيرفة آنذاك ويتحمّل الفرق الذي كان نحو 20%. وكان شرط المركزي أن تأتي الوزارة بالليرات إلى صناديقه. وبما أن الوزارة لم تلتزم بهذا الشرط فكّ المركزي التزامه بالعرض. فيما أبقت الوزارة على الـ20% الإضافيّة على الفواتير حتى بعد فكّ المركزي الاتفاق، خلافاً للقرار. ليصبح ربحها من دون وجه حقّ”.
دعم وهمي
كما أنّ مسألة بدل التأهيل تشوبها أخطاء، بحسب بيضون، “حيث أنّ الهدف منها تعويض العجز المالي الناتج عن دعم الطبقات الفقيرة. فيما الدولة جبت الفواتير من الفقراء الذين يستهلكون أقلّ من 100 كيلووات بـ10 سنت/كيلووات، وعادت وفرضت عليهم بدل تأهيل 6 سنت لتعوّض عن العجز الذي سبّبه دعم الفقراء. فأين المنطق بذلك؟ هذا الدعم وهمي إذاً فقد تكبّد الغني والفقير قيمة بدل التأهيل. وعادت الدولة ورفعت التعرفة على سعر صرف 103 آلاف لتغطية العجز”.
وقال إنّ “الخطّة فاشلة، وكهرباء لبنان لن تستردّ كلفتها، التي هي بالأساس مرتفعة جدّا، ونسبة التهرّب تفوق الـ65%، من تعليق على الشبكة واستخدام غير شرعي للطاقة. وفشل الخطّة لم يكشف بعد لأنّ “الطاقة” تأخذ النفط الخام من العراق وتحوّله إلى فيول وهي لم تدفع ثمنه بعد. فيما يتوجّب عليها اليوم دفع 360 مليون دولار مقابل الفيول، و220 مليون دولار في السنة بدل أتعاب. فضلاً عن المستحقّات المترتّبة عليهم لمشغلي المعامل ومقدمي الخدمات”.