إنهيار سعر الليرة مستمر… هل اقتربت الفوضى؟
جاء في “الأخبار”:
كلما ظن الناس أنهم وصلوا إلى القعر، تبيّنوا وجود قعر أعمق. صار جلياً أنه لم يعد لانخفاض سعر الليرة من نهاية. وصار انخفاض ألف أو ألفي ليرة في سعرها بالنسبة إلى الدولار عادياً. تلك البلادة في التعامل مع الواقع، تظهر في تأليف الحكومة الذي ينتقل من أزمة إلى أزمة مهما كثرت المبادرات، وآخرها مبادرة الرئيس نبيه بري، التي اصطدمت برفضين.
تحوّل سعر صرف الدولار إلى هوس بذاته. يترقّبه حتى من لا قدرة له على الحصول عليه. أما تأثيراته المأسوية على المجتمع والاقتصاد، فلم تعد ذات شأن بالنسبة إلى الأغلبية الساحقة من الناس الذين تآكلت مداخيلهم منذ زمن. خلال يومي عطلة ارتفع سعر الدولار ألفي ليرة. لامس ١٣ ألفاً، وعلى الأرجح لن يتأخر في الوصول إلى 15 ألف ليرة. لم يعد الرقم مهماً سوى لقياس مستوى عمق الانهيار. حالة استسلام كاملة يعيشها الناس الباحثون عن لقمة العيش، فيما السلطة غائبة تماماً عن أي حلّ. الحلول الترقيعية على شاكلة توقيف الصرّافين وتتبّع المنصّات الإلكترونية تزيد الأزمة لا العكس. لكن المشكلة الأساس أن لا أحد يملك خطة للخروج من الأزمة التي بدأت تنبئ بالفوضى. ما حصل في واحد من المحال التجارية الكبرى ليس تفصيلاً. اقتحامه وتكسير محتوياته بحجة إخفائه منتجات مدعومة، معطوفاً على ما سبقه من صراع على علبة حليب أو «غالون زيت» تعني أن الناس بدأت تُسقط عنها ضوابط كانت لا تزال تفرضها على نفسها. وهؤلاء تزداد معاناتهم يوماً بعد يوم. بعض المواد الغذائية مفقود من الأسواق. نقيب أصحاب السوبرماركت أعلن أن الأسعار، التي ارتفعت بشكل جنوني من عام إلى اليوم، سترتفع ٢٠ في المئة إضافية هذا الأسبوع. محطات البنزين تزيد من وتيرة الإقفال، وهذا، على ما يؤكد عاملون في القطاع، أمر يجب أن يعتاده اللبنانيون. فتقنين فتح الاعتمادات من مصرف لبنان يؤدي إلى تقنين الكميات الموزّعة إلى المحطات، والتي بدورها إما تعمل على تقنين التوزيع اليومي ليكفي إلى حين وصول الشحنة التي تلي، أو تستهلك المخزون دفعة واحدة، ثم تضطر إلى إقفال أبوابها لأيام. تلك معاناة تعيشها بيروت كما باقي المناطق. لكنها أشد قسوة في الأطراف، لأن شركات التوزيع خفّضت الكميات التي تصلها. الكهرباء أيضاً مدعاة للقلق. عتمة. لا عتمة. لا أحد يملك الجواب الشافي. بين الصراعات السياسية وتقنين فتح الاعتمادات الدولارية والإدارة المتهالكة للقطاع، كل شيء ممكن. ولذلك بدأ الناس يبحثون عن خطط طوارئ لمواجهة لا استقرار «كهرباء الدولة» وارتفاع أسعار كهرباء المولدات.
ما الذي يبقى من سبل العيش؟ حتى ربطة الخبر لا تستقر على سعر ولا على وزن. إذا لم يرفع وزير الاقتصاد سعرها، يلجأ إلى خفض وزنها. لكن كل ذلك لا يؤشّر إلى أي تغيير. الطبقة الحاكمة بدأت تعدّ العدة لشبكة أمان طائفية، تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الاجتماعية للأتباع والمحاسيب.
«وينيي الدولة» سؤال بدأ مزحة منذ سنوات وانتهى واقعاً إجابته واحدة: لا دولة ولا مؤسسات. فقط مجموعة أشباح يتنقّلون بين الشاشات، لا همّ لهم سوى تبرئة أنفسهم من دم البلد. هكذا يصبح طبيعياً أن يكافح الفاسدون أنفسهم الفساد. وهو اليوم تحديداً ليس مشكلة البلد. مشكلة البلد في الإدارة المدمّرة للاقتصاد والمال والنقد. لكن مع ذلك، ليس متوقعاً أن يرحل أي من المسؤولين عن هذا الدمار. الكل باق. ووحده المحظوظ من الناس يجد إلى الهرب سبيلاً.
المطلوب خطة إنقاذية شاملة تعيد إلى الناس بعضاً من الأمل الذي فقدوه. لكن من يأتي بهذه الخطة؟ من يعطّلون البلد بحثاً عن كرسي وزاري بالناقص أو بالزائد، أو من ينتظرون انحناءة رأس من الخارج تسمح لهم بالمبادرة؟
حتى الحديث عن تطورات أزمة تأليف الحكومة صار ممجوجاً. ولو حُلّت كل العُقد فلن يتغيّر المشهد. ماذا يعني تأليف الحكومة في هذا الوضع؟ هل سيبتعد شبح الجوع؟ سيتنفس الناس الصُعداء لبرهة. سيهدأ سعر الدولار لبرهة. ثم تعود الصراعات، ولا سيما على خطة الخروج من الأزمة، لتقضي على أي أمل. كل طرف رأيه معروف مسبقاً. لكل خطوطه الحمر التي تقود إلى منع التغيير.
مواضيع ذات صلة :
بالفيديو: بدء جرف الثلوج في المناطق الجبلية | تحذير إسرائيلي جديد إلى الضاحية | جلسة تشريعية الخميس |