سيناريوهات الحكومة العسكرية: الانتحار.. والخوف على الجيش
كتب منير الربيع في “المدن”:
في أيامه الأخيرة بملجئه، كان أدولف هتلر لا يزال على يقين بأنه سيربح الحرب. وفي مخبئه كان يدرس الخرائط ويعد الخطط ويفكر بمرحلة ما بعد الانتصار. أسباب ذلك كانت نفسية أكثر منها سياسية أو عسكرية. فاللحظات الصعبة والعصيبة التي يعيشها من هم في مواقع القرار، غالباً ما تقودهم حالاتهم النفسية إلى الانتحار، على ما فعل هتلر. لكن من يتصدر المشهد اللبناني ينحر اليوم بلده وشعبه.
جيش وحزب
ويعيش لبنان اليوم أخطر أيامه: بلد ممزق، مزقته جماعاته المختلفة، بنزاعاتها وعصبياتها وتراكيبها النفسية، وفيها ما يكفي من بارود لتشتعل. وأصحاب الرؤوس أو الدماء الحامية يعشقون النزاع والنار، حتى وهم يحرقون أنفسهم وشعبهم بها. والصراع الدائر في لبنان هذه الأيام يطال المؤسسات والبيئات السياسية والاجتماعية كلها.
سقطت الشرعيات البرلمانية والحكومية والمؤسساتية للدولة، وكذلك سقط القطاع المصرفي، ويبدو أن “المطحنة” مستمرة في طحن ما تبقى. ويتجه لبنان إلى صراع بين مشروعين: الجيش اللبناني وحزب الله. فالكلام الذي يتنامى في الكواليس حول تشكيل الجيش حكومة انتقالية يعبر عن وجود شرعية وحيدة متبقية في لبنان، وهي الجيش، بعدما انهيارت شرعيات مؤسسات الدولة الأخرى كلها. والقول إن ما يجري هو تصفية حسابات ضد العهد وجبران باسيل، يخفي جدياً إحساساً عميقاً في وجدان اللبنانيين: الجيش وحده مخول إدارة المرحلة الانتقالية، بعد سقوط خيارات الانتخابات النيابية المبكرة، أو الانتخابات الرئاسية المبكرة.
هذه المشروعية العسكرية ستواجهها، شاءت أم أبت، مشروعية مقابلة وهي مشروعية حزب الله وسلاحه. وهذا رغم أن الجيش استطاع منذ العام 2005 ترتيب العلاقة مع حزب الله، ونجح في إدارة مشكلات كبيرة، بدون الدخول في اشتباك أو صدام مع الحزب إياه. ومطالبة الجيش بتسلّم السلطة الانتقالية، يضعه فوراً في مواجهة حزب الله، وإن لم يكن أي من الطرفين يرغب بذلك. وهذا يطرح أسئلة سريعة حول تكوين كل من الجيش حزب الله والبيئات المحيطة بهما، ما قد يهدد بتشظيات هائلة.
التكرار العوني
الصراع الدائر اليوم في لبنان هو في الحقيقة أبعد من آلية تشكيل الحكومة والحصص فيها. وفي حال تشكيل حكومة عسكرية انتقالية، بسبب غياب شرعية أخرى، قد لا يكون حلّاً للمشكلة، بل تعجيل لتظهير المشكلة الأساسية التي حاولت كل القوى اللبنانية تجنبها: الصدام بين الجيش وحزب الله.
ولعنة التاريخ التي تلاحق لبنان، تضعه دائماً أمام مشهديتين تذكران بمرحلة العام 1988، عندما شُكلت حكومة عسكرية برئاسة ميشال عون.
المشهد الأول تظهره طريقة تعاطي القاضية غادة عون في ملفات محاربة الفساد. وهو يذكر بتصرفات ميشال عون عندما فتح أبواب القصر الجمهوري وأطلق عليه تسمية قصر الشعب. والمشهد الثاني هو المواجهة المحتملة بين مشروعيتين: الجيش وحزب الله. وهو يذكر بصراع بين مشروعيتين مسيحيتين في العام 1988، أيضاً: الجيش والقوات اللبنانية في ما سمي حرب الإلغاء.
وهناك من يعتبر أن المواجهة بين المشروعيتين حاصلة إن شكلت حكومة عسكرية أو لم تشكل هذه الحكومة. وذلك لسبب أساسي: الانهيار المالي والاقتصادي، والوصول إلى مرحلة رفع الدعم عن السلع الأساسية، وإصرار حزب الله على تأمين احتياجات بيئته من خلال مشاريعه وتفكيره في اختراق البيئات الأخرى.
وهذا يؤدي إلى اضطرابات في المناطق الخارجة عن بيئة حزب الله، مما قد يضطر الجيش إلى التدخل الدائم في هذه المناطق لفرض سيطرته. وعليه، يصير لبنان منقسماً بين منطقتين: منطقة تخضع لحزب الله، الذي يؤمن الحد الأدنى المعيشي والأمني فيها، وثانية خاضعة للجيش، أمنياً وعسكرياً، ومن خلال آلية توزيع المساعدات أيضاً، وهي اعتمدت منذ تفجير مرفأ بيروت، وتوزيع المبالغ المالية المخصصة للعائلات الأكثر فقراً في ظل إجراءات الإغلاق بسبب كورونا.
مواضيع ذات صلة :
الحكومة تبدأ بخطة أولية لإعادة الإعمار … فما هي تفاصيلها ؟ | الحكومة توقع مذكّرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي | طلب من الحكومة إلى الجمارك بشأن المساعدات |