هذا ما نبّه منه بوريل وما سمعه من المسؤولين
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لم يقدّم الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ما يزيد عن الوعود للبنان بالمساعدة شرط تشكيل حكومة تحقق الاصلاحات. الهدف الأبرز لزيارة الديبلوماسي الاسباني، والتي جاءت كامتداد للنفَس الفرنسي في التعاطي مع لبنان، هو التلويح بالعقوبات بحق السياسيين نتيجة عدم تشكيل حكومة. أبلغ بوريل المسؤولين في لبنان ان مسألة العقوبات مؤذية ويفضل الاتحاد الاوروبي لو يتجنبها لبنان، مؤكداً جدية طرحها “لكن مسارها صعب ومعقد لوجود معارضة لها”، واعداً بإحالة الامر الى اجتماع مجلس الاتحاد الذي سيعقد اليوم في لوكسمبورغ.
تهديد جدي لعملية بلا أفق بالنظر الى الصعوبات التي تعترضها والتي تحدث عنها بوريل نفسه، لكونها لا تحظى بموافقة دول الاتحاد الاوروبي مجتمعاً، وهذه مسألة ليست تفصيلية بالنظر الى مسألتين اثنتين: اولاً لان الاتحاد الاوروبي ليس اتحاداً يلتقي بالرأي على كل القضايا بدليل الانقسام بين الايطالي والفرنسي في ليبيا واقصاء ايطاليا لفرنسا عن اتحاد الدول المصدرة للغاز. وثانياً لان العقوبات عادة ما تكون على دول مصدرة للإرهاب او تفرض على خلفية تبييض أموال وليس على خلفية التأخر في تشكيل حكومة، والا لكانت عوقبت بلجيكا التي امضت ما يزيد على 538 يوماً من دون حكومة فلم يلتفت إليها أحد ولا إلى واقعها المختلف عن لبنان وابوابه المشرعة على اي تدخل من الخارج.
تطرح زيارة بوريل سؤالاً عن محدودية القدرة والدور لدى الاتحاد الاوروبي على الساحة المتوسطية حيث لم يعد له من دور يعوّل عليه باستثناء الحضور الفرنسي المتأرجح في لبنان، بدليل ان الاوضاع من سوريا الى العراق واليمن واسرائيل لا دور للاتحاد يذكر في تحديد مصيرها.
أياً كان التقرير الذي سيقدمه بوريل الى الاتحاد الاوروبي اليوم خلال اجتماع المجلس الاوروبي فان زيارته لم تكن مفصلية وانما جاءت تكراراً للمواقف الفرنسية الاخيرة تجاه لبنان، واستتباعاً لزيارة وزير الخارجية الفرنسي الاخيرة، واذا كانت فرنسا صاحبة الحضور الاقوى في لبنان عجزت عن تحقيق خطوات متقدمة، فكيف بالاتحاد الذي لا يتوحد على رؤية تجاه ما يجري في لبنان.
وهذا الانطباع تكوّن لدى من التقى موفد الاتحاد الاوروبي الذي حضر ملوحاً بالعقوبات بحق المسؤولين اللبنانيين مكملاً المسيرة الفرنسية في هذا المجال. ويروي مطلعون على جولة بوريل انه سمع خلال محطته في بعبدا كلاماً رئاسياً وضعه امام تحدّ لدور الاتحاد الاوروبي، حيث تمنى عليه رئيس الجمهورية ميشال عون التوقف عن اعطاء دروس في مكافحة الفساد بينما كل اموال المودعين اللبنانيين هربت الى المصارف الاوروبية، فاذا كنتم صادقين فليتم فضح المهربين واعادة الاموال المنهوبة الى اصحابها بدل التباكي على حقوقهم.
بوريل الذي لبى دعوة كان وجهها اليه وزير الخارجية السابق شربل وهبة بصفته مسؤول العلاقات الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي، وصف الوضع في لبنان بـ”الصعب وغير المقبول” وقال: “نحن كإتحاد اوروبي وقفنا معكم بعد انفجار مرفأ بيروت وخلال مواجهة كورونا، ومستعدون ان نساعدكم لحل الازمة المالية لكن عليكم القيام بمجهود لتشكيل حكومة تقوم باجراء الاصلاحات اللازمة”.
إستفسر مسؤول الاتحاد الاوروبي عن الاسباب التي تعيق تشكيل الحكومة لينقل الاجواء الى الاتحاد الذي سيناقش خلال اجتماعه اليوم على مستوى وزراء الخارجية الملف اللبناني بتفاصيله.
سؤال تمنى عون لو يسأله بوريل للحريري “ما الذي يمنعه من التشكيل ولماذا يمضي الوقت في السفر” مقدماً وجهة نظره لما حصل، “كنت متفائلا بتشكيل الحكومة ولكن تبين للأسف ان الرئيس المكلف سعد الحريري غير جاهز لأسباب لم يفصح عنها. حاولت كثيراً لكنه تصرف بما يوحي انه لا يريد او لا يستطيع ان يشكل، قد يكون السبب بحثه عن رضى السعودية وخوفه من التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وهو يرفضه كعدد من المسؤولين غيره ويعرقلون الاصلاحات التي كلما طرحتها يتجاوزون الامر”.
تبين من سياق النقاشات أن معوقات تشكيل الحكومة في ذهن الموفد الاوروبي مرتبط بتمسك رئيس الجمهورية بوزيرين مسيحيين قبل ان يوضح له عون ان “المشكلة هي في الاصلاحات الضرورية التي يرفضها كبار المسؤولين”، متمنياً “لو يساعدنا الاتحاد الاوروبي باجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة مصير الاموال التي تمّ تهريبها من لبنان، وقد فتحت اربع دول تحقيقاً مع حاكم مصرف لبنان لهذا الغرض”. متابعاً “أمنح كل الفرص لتشكيل الحكومة ولا أتدخل بملفات هي في يد القضاء ولا اتهم احداً، وأؤكد لك أنني لا أريد الثلث المعطل ولكني اريد ان يحترم الحريري دوري وصلاحياتي فلا يرمي لي الاسماء ويذهب، بل أن نجلس ونناقش التفاصيل ونشكل الحكومة بالتوافق”.
وما لم يقله بوريل وكشفت عنه مصادر واسعة الاطلاع ان فرنسا تبذل جهدها بالتعاون مع الاميركيين لتفعيل مسألة العقوبات بحق المسؤولين اللبنانيين، ولذا هو حضر مستغيثاً يقول للمسؤولين ساعدونا على تجنب هذه الكأس المرة التي قد لا تحقق في حال فرضت الا مزيداً من التعقيد للحلول، وهو ما تبلغه بوريل ذاته.