“كليلة ودمنة” في الحكومة اللبنانية!
كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:
لكل مرحلة سياسية لحظاتها التلفزيونية، فمن ينسى مثلاً “قرد” و”أفعى” النائب وليد جنبلاط، يوم اعتلى منبر 14 آذار، مهاجماً رئيس النظام السوري بشار الأسد، وقائلاً له: “يا قرداً لم تعرفه الطبيعة يا أفعى هربت منها الأفاعي..”.
ومن ينسى كلام النائب عقاب صقر، يوم هاجم رئيس الجمهورية ميشال عون قائلاً له: “لو صحت الاسطورة وبالكذب تطول الانوف، لكنت في الرابية تصلي وأنفك في الضاحية يطوف”:.
هي لحظات تلفزيونية كثيرة علقت في ذاكرة اللبنانيين، من بينها ناضور رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، وعبارة النائب علي عمار “طهر نيعك قبل ما تحكي”، والتي توّجه فيها ذات جلسة نيابية للنائب السابق الياس عطالله .
ومن بينها أيضاً صراحة النائب سليم سعادة يوم قال: “هلق هن بيعرفوا انه نحن عم نكذب ونحن منعرف انه هن بيعرفوا انه نحن عم نكذب عليهن”.
وإلى اليوم لا يزال اللبناني يتذكر لحظة خلع الرئيس سعد الحريري “الجاكيت” وسط تشجيع مناصريه، كما لا يزال يردد كلمة النائب نهاد المشنوق “مش عارف حالك مع مين عم تحكي”، في زمانها ومكانها المناسبين.
هذه اللحظات أو اللقطات، لا تعدّ ولا تحصى، فأهل السياسة في لبنان يبرعون في سرقة الأضواء. والسياسة مسرح، وهم بارعون في أدائهم التمثيلي، ونحن نبرع في التصفيق، فنضحك لنهفاتهم ونهمس سراً أو علناً “سياسيينا شو مهضومين”، وحكومة تجرّ حكومة، حتى وصلنا إلى الحضيض.
في السياسة اللبنانية كان لدينا أيضاً “أبو ملحم”، وهو وزير الداخلية الأسبق مروان شربل. ولم يأخذ الوزير العتيد اللقب من فراغ، فكان “حلال المشاكل”، تارة يعقد خلوة مع الشيخ أحمد الأسير وتارة أخرى مع مزارعي الحشيش.
وفي الجانب المقابل لـ”أبو ملحم”، كان وما زال لدينا “سيد الحارة”، الذي يضيع بين الدين والسياسة، فيخوض بنا حرباً ثم يعود ويقول لنا “لو كنت أعلم”، وفي عزّ أزمتنا الاقتصادية يدعونا للتحلّي “بالصبر والبصيرة”، أما الحلّ الذي يخرج من إصبعه السحري فهو “الزراعة على البلكون”. ولأن السيد “لا يكذب” تبعه المناصرون، فزرعوا خياراً وبندورة، واستفاقوا فجأة على كارثة. فالعليم بحالهم لم يخبرهم من أين يأتوا بشتل الدواء والمحروقات كي يزرعوها على السطح بعد ازدحام الشرفات! حتى غدا “بما قاله” سخرية الـ “تيكتوك” و”فيسبوك” وجميع منصات التواصل من دون استثناء حتى اللحظة.
ببساطة، السياسة اللبنانية، حفلت بالكثير.. بالمحنكين، والمهرجين. بأهل السلطة وأهل البلطجة. فالطبق الحكومي في هذا الوطن دسم، ويقدّم لهواة النوع، أيّ للشعب “الغاشي والماشي”!
غير أنّ الحكومة الجديدة أبدعت وتفوقت عن سابقاتها، فقدمت العديد من الشخصيات الجديدة.
بداية لدينا شخصية “الكركوز، ومنعاً لأي تأويل، فإنّ الكركوز أو “قره كوز”، كان هو وصديقه “عيواظ” نموذجان للكوميديا والتسلية، وهما أشهر من نار على علم في التراث الشعبي.
أما “كركوز” عصرنا الحالي أو حكومتنا الفتية، فهو وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجار. وطبعاً هذا ليس انتقاصاً من شأنه. ولكن توصيفاً دقيقاً لتصريحاته عن الحفاضات والشيء القاسي الذي على اللبنانيين الاعتياد عليه، والذي هو وفق الحجار نوع سرّي من الطعام، لم يخبرنا ما هي مكوناته، ربما أراد بحسّه الفكاهي أن يتركه لغزاً يحله في إطلالة جديدة فوق مسرح “أشباح الظل” الحديث.
أما الشخصية الثانية، التي قدمتها الحكومة، فهي الحكواتي، ولأن الشعب اللبناني محظوظ بالفطرة، كان لدينا إثنين، ولو أنّ ابن المقفع حيّاً، لاستعان بالوزيرين أمين سلام ومصطفى بيرم كشخصيتين أساسيتين في كتاب كليلة ودمنة، ولكن الزمن غادر.
والحكواتي لمن لا يعرف هو أيضاً من التراث الشعبي اللبناني وليس غريباً عن بيئة أجدادنا، فهنيئاً لنا بحكومة تعيد لنا التراث، تراث بلد عالق بين الضفدع والعصفور والسماء الملبدة الغيوم.
وليس غريباً أبداً أن نعود مع الطواقم السياسية المتعاقبة إلى تراث أجدادنا، ونحن أساساً بتنا نعيش أياماً لم تمرّ حتى على رؤوس أجدادنا، فالسياسة اللبنانية منذ الـ2005 وحتى اليوم وهي في حالة انحدار، وتردّي، وكل المواقف الشعبوية الساخرة إن كان تدل على شيء، فهو أنّ أهل السلطة يعبثون في ساحة الـ”لا دولة”، فيأكلون من لحومنا ويسخرون من أوجاعنا، ويرمون لنا على طاولة الحكومات الفارغة الفاتورة كي ندفعها لهم ثمن جريمتهم بحقنا؟!
مواضيع مماثلة للكاتب:
ونحن أيضاً أشلاء.. | أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! |