الصابون البلدي يُهاجر!
كتب رضا صوايا في “الاخبار”:
في الأزمات، كتلك التي نعيشها، يكون منطقياً التخلي عن كل ما هو «فرنجي» مستورد لمصلحة ما هو «بلدي» محلي… في بلد، كالذي نعيش فيه، لا منطق يفسّر أن لا يكون أهل البلد قادرين، على الأقل، على استهلاك الصابون «البلدي» لعدم قدرتهم على شرائه!
لم تشفع الأزمة الاقتصاديّة حتى للصابون البلدي الذي بات سلعةً نادرة في السوق المحليّة، وحكراً على قلة قادرة على «التنعّم» به. البلاد التي يُقال إنها «أنجبت» الصابون وصدّرته إلى العالم بات سكانها محرومين من «رغوته»! ورغم اختلاف المصادر التاريخية حول نسبة الصابون إلى نابلس الفلسطينية أو طرابلس اللبنانية، إلا أن الثابت أن هذه الصناعة ازدهرت في عاصمة الشمال قبل أكثر من ألف عام، ومنها بدأ تصدير هذا المنتج إلى أوروبا. ازدهار حوّل خان الصابون الذي أُنشئ عام 1480 إلى ملتقى «تجاري عالمي يجتمع فيه التجار المشرقيون والأوروبيون» على ما جاء في بعض المراجع التاريخية.
ما لم تنجح في محوه العصور طوال أكثر من ألف عام، تكفّلت به الأزمة الاقتصاديّة الحادة التي يعيشها لبنان. «الظروف التي نعيشها لم نعرف لها مثيلاً. حتى زمن المجاعة كان أكثر رحمة على الصناعيين»، يقول بدر حسون، مؤسس «قرية بدر حسون البيئية» التي تعنى بإنتاج مئات من أنواع الصابون البلدي. ويوضح أن «كلفة الإنتاج ارتفعت بأكثر من 60%، وهي نسبة كفيلة بالقضاء على أيّ مؤسسة. وصلنا إلى مرحلة لم يعد بإمكاننا فيها البيع للسوق المحليّة ولا عاد المستهلك المحلي قادراً على شراء منتجاتنا». لذلك، «نركز على التصدير. فيما نسبة المبيع في السوق المحليّة تقارب الصفر. حاولنا، قدر الإمكان، الحفاظ على سعر مقبول للمستهلك وتحمّلنا خسائر كبيرة. لمدة عامين، استمرينا في بيع منتجاتنا على أساس سعر صرف 1500 ليرة و2000 ليرة للدولار، إلى أن اضطررنا منذ بضعة أشهر إلى التسعير وفق سعر دولار السوق السوداء». علماً «أنني منذ سنوات أمّنت 80% من استهلاكي للطاقة عبر الطاقة الشمسية، وأؤمن المياه من بئر، وأنتج الغاز من الصرف الصحي. ومع هذا فالكلفة لا تزال كبيرة جداً».
يتحسّر سليم غنّام، صاحب مؤسسة «خان القصر للصابون»، لأن «المؤسسة التي بدأت العمل مطلع الثمانينيات لم تعرف مثل هذه الأيام حتى في عز الاجتياح وما تلاه من ويلات». ويوضح أن «الطلب تراجع بأكثر من 70% فيما تضاعفت الكلفة. كنا نشتري تنكة زيت الزيتون الخاص لإنتاج الصابون البلدي بحوالى 50 ألف ليرة. اليوم سعرها يتخطى الـ 600 ألف. كنا نبيع الصابونة البلدية بـ 3 دولارات تقريباً، أي 4500 ليرة. أصبحنا نبيعها بدولارين بالجملة، أي حوالى 40 ألف ليرة وبخسارة».
قبل الأزمة، زاد الإقبال على الصابون البلدي في سياق «ترند العودة إلى الجذور والاستفادة من المواد الطبيعية المتوفرة عوض الكيميائية لعلاج بعض مشاكل البشرة… وتحوّل أحد أبرز الهدايا المتبادلة في الزيارات والمناسبات» بحسب صاحبة مؤسسة Saboon&Co المتخصصة في إنتاج الصابون البلدي كريستين غنطوس. توضح أن «سعر كيلو الصابون البلدي قفز من 5 آلاف ليرة إلى 70 ألفاً. الصابونة البلدية المعطّرة التي كنت أبيعها بحوالى 7 آلاف ليرة كلفتها اليوم 40 ألفاً». لذلك، «لم أعد أتكل على السوق المحليّة بسبب التذبذب في سعر الصرف الذي يخلق لنا مشاكل كثيرة، خصوصاً أن مصاريفنا كلها بالدولار. لذلك، لم تعد السوق المحليّة مربحة، وأحاول الصمود قدر المستطاع من خلال التصدير إلى الخارج، خصوصاً مع تراجع الطلب محلياً بنسبة تراوح بين 50% و60%. ومرت علينا أشهر لم نبِع فيها صابونة واحدة»!
مواضيع ذات صلة :
هل يكون الصابون مفتاحًا للبطاريات طويلة الأمد؟! | “متحف الصابون في صيدا”.. رحلة عمرها 3000 عام! | دراسة صادمة.. الصابون يجعلكم أكثر جاذبية للبعوض! |