موسى الصّدر: المشروع اللّبنانيّ المناقض للحزب!
كتب ميشال توما في “Mondafrique“:
لطالما تعرّض الشّيعة اللبنانيّون للتّهميش، وخاصّةً في العهد العثمانيّ. واستمرّ هذا التّهميش بعد إعلان لبنان الكبير في العام 1920، وحتى بعد الحصول على الاستقلال في العام 1943.
ولم يبدأ هذا التّهميش بالتّلاشي، إلاّ عند ستّينيّات القرن الماضي مع وصول العديد من العلماء الشّيعة إلى بيروت بعد استكمال تعليمهم العالي في مدينة قمّ الإيرانية أو النجف العراقيّة.
وتميّز ثلاثةٌ من هؤلاء قريبًا بحضورهم وثقافتهم الواسعة ورؤيتهم للمستقبل: هم الإمام موسى الصّدر والشيخ محمّد مهدي شمس الدّين والشّيخ محمد حسين فضل الله. و قد زادوا من عدد الاجتماعات والمناقشات داخل النّوادي ودور العبادة والجمعيّات الاجتماعيّة.
الإمام موسى الصدر تولّى الحراك الشعبي
ضاعف الإمام موسى الصّدر من الزيارات والمؤتمرات الّتي عقدها في جميع أنحاء البلاد، وبفضل “العمل الجاد”، نجح في ترسيخ نفسه كعنصرٍ اجتماعيٍّ مجتمعيٍّ أساسيّ، معبراً بصوتٍ عالٍ وواضحٍ عن إحباطات وتطلّعات السكّان.
وكانت الطّائفة الشيعيّة قد واجهت في تلك المرحلة وضعًا اقتصاديًا واجتماعيًا يُرثى له، وكافح أبناؤها في جنوب لبنان والبقاع وضواحي بيروت.
إلى جانب الواقع الاجتماعي والاقتصادي، عانى الشيعة، وخاصّةً في الجنوب من تداعيات الوجود الفلسطينيّ المسلّح، حيث شنّت مليشيات منظّمة التّحرير الفلسطينيّة هجماتٍ متكرّرة على الأراضي الإسرائيلية، ما أدّى إلى الردّ عليها بالكثير من الغارات الجويّة.
وسط كل ذلك وحدهم الشيعة دفعوا الثمن، ما زاد من تفاقم الوضع.
من المجلس الشّيعي الأعلى إلى حركة المحرومين
في وسط كل ذلك، واصل الإمام موسى الصّدر حراكه، وفي العام 1967، حصل على موافقة الحكومة على تشكيل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وقد حورب هذا المجلس من قبل السّياسيين الشيعة التقليديين إذ رأوا فيه تهديدًا مباشرًا لموقعهم في السّلطة.
ونجح هؤلاء في إقصاء المجلس وتقليص دوره، حتى تحوّل إلى مجموعةٍ من الشّخصيات، التي بات همّها الوحيد ضبط الوضع السياسي ومتابعة المسائل الوطنية.
وفي مقابل هذا الجمود السياسي، اتّجه الإمام الصدر إلى خلق حركةٍ شعبيّةٍ، يهدف من خلالها إلى الدّخول إلى السّاحة السياسية كي يتمكّن من تحقيق التطلّعات السياسية والاجتماعية للطائفة الشيعية، من خلال تغيير الواقعين الاقتصادي والاجتماعي اللذين سيطرا على مناطق الشيعة.
وكان على الصدر أن يجد بدلاء عن القادة التّقليديين الذين أبقوا على خمول المجتمع.
وفي خطبةٍ ألقاها في 18 شباط 1974، قال الإمام موسى الصدر أمام جمهورٍ كبير: اسمنا ليس “متاولة”، اسمنا هو اسم الرفض، الثّورة على كل طغيان. حتى لو كان علينا أن ندفع ثمن ذلك بدمائنا ، بحياتنا… نحن لم نعد نريد المشاعر، بل العمل. لقد سئمنا كلّ الكلمات والخطابات المزاجية، وأنا أدعو أكثر من غيري للهدوء. لقد ناديت ما يكفي من أجل الهدوء. من اليوم لن أصمت. إذا بقيت صامتاً ، فلن أكون…”
بداية تأسيس “حركة أمل”
لم يواجه حراك الإمام موسى الصدر معارضةً من الزعماء السياسيين التقليديين فحسب، بل واجه أيضاً مشروع إنشاء تنظيماتٍ فلسطينيةٍ مسلحةٍ في العرقوب (جنوب لبنان)، ومن هنا جاء التّصعيد العسكريّ الذي أدّى بدوره إلى خلق حركة مسلّحة ضمن الطائفة الشيعية، واجتذبت هذه الحركة المحرومين من الميراث والأشخاص الذين همشتهم الأحزاب العلمانية أو اليسارية، كالحزب الشيوعي، منظمة العمل الشيوعي في لبنان وحزب البعث.
وأنشأ الإمام الصدر سرّاً حركة أمل في أوائل السبعينات، وأصبحت هذه الحركة جبهةً للفقراء. في ظلّ الوضع السياسي- الاجتماعي- الاقتصادي الكارثيّ رفعت الحركة الصوت لما كان يكافح من أجله الشيعة لسنوات عديدة .
غير أنّ هذا الأمر شكّل ومن دون شكّ الأرض الخصبة التي ستفضي إلى الظهور السريع لحزب الله في الثمانينيات.
الاختفاء الغامض للإمام الصدر
اختطف الإمام الصدر في حزيران 1978 في ظروفٍ غامضةٍ أثناء سفره إلى ليبيا، وشكل اختفاؤه ضربةً قاسيةً للتيار الشيعيّ اللبناني البحت – ما يسمى في لبنان بالتيار السيادي “اللبناني”.
وكان قد دعا موسى الصدر إلى الولاء التامّ للبنان، وبالتّالي كان يعارض الولاء الكامل وغير المشروط لزعيم الثورة الإسلامية الإيرانية الخميني، انطلاقاً من ذلك واجه الصدر معارضةً من الجماعات الشيعية المتطرفة التي شكّلت فيما بعد حزب الله في أوائل الثمانينيات.
ومع تراجع تأثير التيار الذي يمثله موسى الصدر، اتجهت الطائفة الشيعية إلى إيران مع إنشاء حزب الله، ومن ثمّ ظهر نظامٌ مختلفٌ للقيم المجتمعية، وإيديولوجيةَ مختلفةٌ تمامًا وأسلوب حياةٍ مختلفٌ تمامًا.
مواضيع ذات صلة :
بري: دقت ساعة القرار | حركة أمل تنفي استهداف مكاتبها أو أحد كوادرها في الغارة الإسرائيلية التي طالت الجناح | القمة الروحية تظهر التباين الشيعي |