الجمود في لبنان: شعبٌ “مكتئبٌ” وحكّامٌ “منفصمون”
كتبت بشرى الوجه لـ”هنا لبنان”:
انهيارٌ حادّ، فسادٌ في كلّ زاويةٍ ودائرة، ذلٌّ يوميّ، فقرٌ مدقعٌ وجوع، حرمانٌ من أهمّ مقوّمات الحياة: أدوية، كهرباء، محروقات… أحلامٌ تبخّرت تحت وطأة مستقبل مجهول.. والمواطن “المسكين” صامت!
إنّ أكثر ما كان يُسأل في بداية الأزمة الأسوأ في تاريخ لبنان، “لماذا ثار الشعب في تشرين الأول العام 2019 على خلفية ضريبة الـ6 دولار على تطبيق الواتسآب، ولم ينتفض لا اليوم ولا في الأمس القريب؟ مع العلم أنّ الدولار حلّق إلى عتبة الـ24000”.
وكان السؤال الأبرز على مواقع التواصل الإجتماعي، مع كل أزمة مستجدّة، “ليش بعدكن قاعدين؟ وشو ناطرين؟”. لكنّ في الفترة الأخيرة، حتّى هذا التساؤل تراجع، وكأنّ المواطن رفع الراية البيضاء.
والغريب أنّه كلّما تفاقمت الأزمات وازدادت وتيرتها، كلّما سيطر الصمت على اللبنانيين أكثر فأكثر. فلماذا كل هذا الجمود؟ وهل رضخنا للواقع؟
في هذا السياق يعلّق الأخصائي النفسي الدكتور وائل كرامة، لـ”هنا لبنان”، فيقول: “للأوضاع الإقتصادية وانعكاساتها النفسية دور أساسي في حالة الصمت التي تُسيطر على الشارع اللبناني، وهذه الأمور متداخلة ولا يُمكن فصلها عن بعضها”، مضيفاً “الشعب اللبناني يعيش حالة فقدان للأمل بعد كل الظلم الذي لحق به، كما يعيش في خوف ويأس، وهذان عاملان مهمّان لإسكات صوت الناس وإخماد مطالبهم وحركتهم. فخلال ثورة 17 تشرين، عملت السلطة على قمع الثوار وسيطرت على انتفاضتهم عن طريق نشر الخوف في صفوف المنتفضين، وخاصة عندما وضعت السلطة القوى الأمنية في مواجهة مع الناس، فضلاً عن العناصر الميليشياوية التي واجهت المتظاهرين متبعة منطق السحاسيح”.
ويرى كرامة أنّه اقتصادياً، للتأثير وجهان: “الوجه الأوّل، ويتمثّل بالفئة التي تمتلك الأموال، والتي يصلها “فريش دولار” من الخارج، وهولاء يهللون لارتفاع سعر الصرف. أمّا الوجه الآخر فيتمثّل بالفئة التي ترزح تحت وطأة الفقر المزري وكل همها كيف تؤمّن قوتها اليومي فقط”.
من جهتها، تدعم الصحافية المتخصصة بالشأن الإقتصادي، محاسن الحلبي، رأي كرامة الإقتصادي، فتقول: “نحن نُعاني من انهيار الليرة اللبنانية، وبالتالي إنعدام القدرة الشرائية لشريحة واسعة من الناس، فنسبة 82% من اللبنانيين يُعانون من الفقر المتعدّد، وفق أرقام منظمة “الإسكوا”. وهذا الفقر الحاصل يُلهي الناس بالبحث عن لقمة العيش وكيفية تأمين الدواء والمحروقات والخبز. وبالتالي كل هذه الأسباب تُبعد المواطن عن فكرة التحركات”.
وعن ردود الفعل الغريبة التي تصدر عن بعض المواطنين من نكات وسخرية، يُجيب كرامة: “تُسمّى هذه الحالة في الطب النفسي بـ”الإنفصام الجماعي”، وهي حالة إنكار للحقيقة، فالشعب المبتلى أصبح يسخر من نفسه ولا يُصدّق واقعه على قاعدة “شرّ البليّة ما يُضحك”.
أمّا بالنسبة لنتائج الحالة النفسية والاكتئاب الجماعي التي يعيشها الشعب، فيقول كرامة: “سنشهد أمراضًا وآفات إجتماعية متفاقمة جدًّا، من تعاطي مخدّرات وتنفيذ جرائم قتل وسرقات، وعمل تعنيف القاصرين، وانتشار الجهل والأمية، وقد تصل الأمور إلى حدّ بيع الأهالي لأبنائهم!”.
ويُبدي كرامة تخوّفه من انتشار مقاييس ومبادئ خاطئة على سلوك المواطنين وفق مبدأ “كل الناس عم تسرق وعم تزوّر مثلًا”، لأنّ من يعمل بالأساليب الأخلاقية سيأتيه شعور بالغباء، فيتغيّر سلوكه.
ويختم الطبيب بوصف الحكّام في لبنان بـ”المنفصمين” الذين يُعانون من أمراض الإضطرابات النفسية والـ”anti social”، أي “ضد المجتمع”، فهم يقتلون ويفجّرون دون الشعور بأي مشكلة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
نبيل مملوك.. صحافي تحت تهمة “الرأي المخالف” | استهداف الجيش وقائده في غير محلّه.. “اتهامات سطحية لدواعٍ سياسية” | إسرائيل “تنهي الحياة” في القرى الحدودية.. ما الهدف من هذا التدمير الممنهج؟ |