باسيل يرقص أمام نصرالله كما رقصت إبنة هيروديا أمام هيرودس
الإطلالة الثانية لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بعد فشل الطعن الذي قدّمه التيار أمام المجلس الدستوري في التعديلات على قانون الانتخاب، حملت المضمون نفسه، لكن مع تطوير التفاصيل. ولا بدّ من الاعتراف بأنّ باسيل، عمل جيّدًا كي تأتي إطلالته الثانية مقنّعة، ليس لمن تابعه ، بل لـ “حزب الله”. من العبارة الأولى التي نطق بها باسيل في كلمته الأخيرة الى آخر عبارة ، كان هاجس باسيل، كما كان هاجس الرئيس عون في كلمته عشية رأس السنة الجديدة، هو لفت انتباه الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله. ومن أجل ذلك، قرع النائب باسيل، وقبله الرئيس عون، ناقوس الخطر الذي يتهدّد لبنان عموماً، والحزب خصوصاً لما آلت إليه الأمور. بالطبع، وضع باسيل الحزب خارج أيّ مسؤولية عن الانهيار الذي تسبّب به على حد قوله “أمراء الحرب بزمن الميليشيات وأمراء الفساد بزمن السلم”، لكنه أطلق صرخة استغاثةٍ واحتجاجٍ أمام “السيد حسن، الذي أكنّ له مكانةً خاصةً في قلبي وعقلي الله وحده يعرفها”، على حدّ تعبير باسيل. أمّا لماذا يستغيث باسيل؟ وعلى ماذا يحتجّ؟ فببساطةٍ، وبعيداً عن جبل الذرائع التي ساقها باسيل، “التيار الوطني الحر” بكلّ مكوّناته مقبلٌ على هزيمةٍ منكرةٍ في الانتخابات النيابية المقبلة. وكيف لا تكون هناك هزيمةٌ منكرةٌ، وقد قاد الجنرال العائد من منفاه الباريسي، عام 2005، لبنان، بالتضامن والتكافل مع “حزب الله”، الى انهيارٍ لا سابق له منذ نشوء دولة لبنان الكبير عام 1920؟ وكيف لا تكون هزيمة، وعون، قد وصل بفضل الحزب وسلاحه وولائه الإيراني، إلى سدّة رئاسة الجمهورية؟ ليس من مبالغةٍ في القول، أنّ باسيل مارس الرقص على حبالٍ كثيرةٍ في إطلالته الأخيرة، أنّه كان راقصاً أمام نصرالله، كما كانت سالومي راقصةً أمام هيرودس. إنّها عبرةٌ أن نعود اليوم إلى إنجيل متى، فنقرأ الآتي: “في أثناء الاحتفال بذكرى ميلاد هيرودس، رقصت ابنة هيروديا (سالومي) في الوسط، فسرّت هيرودس، فأقسم لها واعداً بأن يعطيها أيّ شيء تطلبه. فبعد استشارة أمّها، قالت: “أعطني هنا على طبق رأس يوحنّا المعمدان!” فحزن الملك. ولكنّه أمر بأن تُعطى ما تريد، من أجل ما أقسم به أمام المتّكئين معه. وأرسل إلى السجن فقطع رأس يوحنا، وجيء بالرأس على طبق، فقدم إلى الصبية، فحملته إلى أمّها!” واليوم، ماذا في عقل جبران الراقص أمام نصرالله ليطلبه من الأخير؟ هو، أي باسيل، دعا أولاً إلى قطع رأس زعيم حركة “أمل” الرئيس نبيه بري، لكنه أدرك خطورة ما يطلبه فاستهاب الموقف، فقال أنّ “الوحدة الشيعية مهمة جداً” ثم انتقل للمطالبة بقطع رأسٍ آخر يسيل له لعاب نصرالله، ويحقّق مبتغى التيار أيضاً، إنّه رأس “القوات اللبنانية”. من أجل ذلك، شنّ باسيل حملةً غير مسبوقة على القوات ورئيسها الدكتور سمير جعجع زاعماً أنّ الأخير “كل عمره أداة للخارج”. رقص باسيل رقصته الأخيرة أمام نصرالله. وهو لم يفعل أكثر ممّا قاله عنه يوماً مسؤول الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، وهو المسؤول المباشر عن ملفّ العلاقات بين التيار والحزب، أنّ باسيل ينظر إلى السيد نصرالله على أنّه من “القديسين”. وممّا قاله صفا في حديثٍ لموقع العهد التابع لـ “حزب الله” لمناسبة الذكرى السنوية لـ “تفاهم مار مخايل” في شباط 2019، إنّ علاقة صداقة قوية تربط رئيس “التيار” مع الأمين العام للحزب، و”المميّز أيضاً يكمن في كميّة الحب التي يختزنها باسيل للسيد نصرالله الذي لم يكن كلامه في الإعلام عن صداقةٍ تجمعه بباسيل مجاملة سياسية، بل هو توصيف واقع وحقيقة”.وأكّد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق “حصول لقاءات يعقدها السيد نصرالله مع باسيل لا تظهر أبداً إلى الإعلام وهي في سياق التنسيق المستمر والذي قد نشهده أكثر في المستقبل”. ما قاله صفا في شباط 2019 عن لقاءات بين باسيل والحزب، تمت فعلاً في الأيام الأخيرة. لدرجة أنّ توقيت باسيل لكلمته يوم الأحد، وما زال لبنان في عطلة رأس السنة التي يحاول فيها اللبنانيون الاستراحة من أحزان العام المنصرم، جاء منسّقاً مع إطلالة لنصرالله في اليوم التالي إحياءً لذكرى قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة في مثل هذه الأيام. وكان على باسيل أن يمنح نصرالله الوقت كي لا يشوش عليه ويترك له الفرصة ليقول له كلاما أشبه بـ”تطييب الخاطر”، على حدّ ما ذكرته أوساط إعلامية قريبة من الحزب. في الخلاصة، لا بدّ من التذكير أنّ نصرالله ليس هيرودس وأنّ باسيل ليس سالومي وأنّ جعجع ليس في السجن كي يحقق باسيل ومن وراءه رغبتهم في إزالة العقبة المسيحية أمام حزب إيران في لبنان. من هنا، كما كان باسيل بائساً، وهو يرقص أمام نصرالله! لقد حاول يائساً أن ينقذ رأس تياره الذي يقترب من مقصلة الانتخابات لا سيّما في معقله بالبترون، فهل سينجح؟
المصدر: أحمد عياش – هنا لبنان