روائحُ قَمْعٍ في مطبخِ السلطة

في الأيام القليلة المقبلة، سيندفع لبنان في انزلاقه السريع نحو انهيار تمَّ تصنيفه عالمياً بين الأشدَّ قساوةً خلال هذا العصر. ووفق الخبراء، سينفجر غضبُ الناس بقوةٍ هائلة، بعد احتقان طويل وعميق، وبتأثير القهر والجوع. وحينذاك، لن يكون واضحاً ما طبيعة الانفجار المنتظر، وما حدوده وتداعياته؟

سيكون البلد محظوظاً أن يأتي الانفجار في شكل انتفاضةٍ حضاريّة مضبوطة، على طريقة 17 تشرين الأول 2019. وسيكون مثالياً أن تكون الانتفاضة موحَّدة القيادة وواضحة البرنامج لتبلغ النهايات المرغوب فيها. ولكن، حتى الآن، لا تتوافر الظروف للانتفاضة الموعودة. وحتى لو نجح المنتفضون في إطلاق الخطوات الأولى، ستقوم السلطة بإفشالهم.

ولكن، عندما تسقط الانتفاضة، لن يكون متوافراً أي بديل سلمي، وسيكون الأسوأ في الانتظار. فالاحتقان الشعبي سيتحوَّل فلتاناً اجتماعياً وأمنياً بلا ضوابط ولا أفق. وسيكون متاحاً للمستفيدين في الداخل والخارج، وهم كُثُر، أن يَدخلوا على الخط بأجنداتهم الخاصة، ويستثمروا حالات الصِدام .

ويجدر الاعتراف، بأنّ طرفَي المواجهة الداخلية واقعان في مأزق:
فقوى السلطة تدور في الحلقة المفرغة. فهي لا تمتلك الإرادة لإيجاد حلول حقيقية تنهي الأزمة، لأنّ ذلك يكشف فسادها وينهيه. وكذلك، الانتفاضة تدور حول نفسها. فلا هي مؤهّلة للذهاب جدّياً نحو الانتصار، ولا يناسبها إعلان الانهزام أمام السلطة.

وأمام هذا العجز، ستكون الفوضى الأمنية واردة وقد تَدْخُل قوى «مجهولة»على الخطّ، لاستثمار الفوضى، في بلد هو صندوق بريد في صراع المحاور الإقليمية والدولية.

يعتقد البعض أنّ القوى النافذة في السلطة هي نفسها مستفيدة من هذا الفلتان جزئياً، وضمن حدودٍ مضبوطة، لتبرير إمساكها بالقرار وبالسلاح، ولجوئها إلى القوة، لإطفاء الانتفاضة الشعبية، كما فعلت دائماً حتى اليوم.

فخطة قوى السلطة تقضي بالتوازن بين أسلوبين: الاستيعاب والقمع. وهذا الأمر بدأ يتظهَّر اليوم في سلوكها، حيث يتمّ تصوير أي حراك اعتراضي في الداخل وكأنّه عمل عدائي موحى به من القوى الخارجية. وهذا يعني أنّ ضرب هذا الحراك وإخمادَه في مَهدِه سيكون مبرَّراً ومشروعاً.

وفي رأي بعض الأوساط، أنّ القوى السياسية النافذة في السلطة بدأت عملية قمعها الاستباقي للانتفاضة، بعدما أدركت أنّ من المستحيل كبتَ الاعتراضات الآتية، وأنّ الغضب سينفجر حتماً في الشارع. فما يَهُمُّها هو منعُ استيلاد انتفاضة 17 تشرين، وأما تبريرات القمع فهي جاهزة بكامل عُدَّتها وغبّ الطلب.

المصدر: طوني عيسى – صحيفة الجمهورية

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us