العهد ينحر نفسه بعد نحر البلد

شهدت البلاد في الأيام القليلة الماضية مجموعة من التطورات الخطيرة من شأنها أن ترسم مساراً جديداً في التحولات المقبلة على المشهد الداخلي، فيما بقيت الثابتة الوحيدة، العقد الماثلة أمام مسار تأليف الحكومة الجديدة. لم يعد خافياً على أيّ مراقب أنّ تعطيل التأليف ليس بسبب العقد الظاهرة وإنّما بسبب عدم وجود قرار لدى الفريق الحاكم بقيام سلطة تنفيذية فاعلة تقلص نفوذ هذا الفريق بما ومن يمثل. يستطيب العهد هذا الخيار الذي يوافق حساباته السياسية من دون الأخذ في الاعتبار واقع أنه بهذا التوجه ينحر الولاية الرئاسية بما سبق وانقضى منها وما تبقى لها، مع ما يعنيه ذلك من نحر موازٍ للبلد ومقومات صموده ومناعته، في ظلّ الاستمرار بالتشبث بمفهوم الرئيس القوي. لكن الرئيس القوي بتحالفاته وليس بطائفته لم يأت خيراً على الطائفة بل زادها شرخاً وتشرذماً وانشقاقاً بعدما أضحى شعار الرئاسة القوية نموذجاً يرغب المسيحيون الأقوياء في أحزابهم تكريسه للوصول إلى بعبدا وإسقاط نموذج الرئيس الذي يفتقد الحيثية السياسية أو الشعبية. وهذا كان يمكن تفاديه لو حافظ العهد على التزامات تياره السياسي بمندرجات تفاهم معراب، فأبقى حزب “القوات اللبنانية” سنداً قوياً له في الساحة المسيحية، تماماً كما حافظ على التزامه الكامل مع “حزب الله” من خلال تفاهم مار مخايل الذي كرس الرئاسة لعون. ثمن التمسّك بتفاهم معراب كان ثقيلاً وصولاً إلى حدّ الاستحالة بالنسبة إلى عون بسبب طموحات باسيل الرئاسية الذي رأى في تحقق وصول عمه إلى بعبدا وتماسك تحالفه مع الحزب حظوظاً سانحة كبيرة أمامه للوصول هو أيضاً. وقد أدّى تقاسم المواقع المسيحية المختلفة في الإدارة والقضاء والأمن والعسكر على “التيار الوطني الحرّ” حصراً، إلى ضرب الصف المسيحي المشرذم أصلاً بفعل الشهية السياسية المفتوحة دائماً على المناصب والحصص. ولم يقف الانشقاق المسيحي الذي أدّى إلى اصطفاف لافت ضدّ العهد عند القوى السياسية، بل تجاوزه ليطال بكركي التي أخذت بدورها مسافة كافية عن بعبدا، محملة سيدها مسؤولية تعطيل تشكيل حكومة جديدة.

المصدر: سابين عويس – صحيفة النهار

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us