غربان السياسة تحرق البشر وتتاجر برماد الطائفية
وكأن لبنان لم يعد ينقصه غير رفع السواتر وترسيم خطوط التماس. إنه “الغثيان اللبناني” بتجلياته كلها، وفي طليعتها احتقار ما تبقى من اللبنانيين، وتحويل المآسى المتناسلة صراعاً سياسياً ومذهبياً وطائفياً. فصل التيار العوني عكار عن لبنان، بعدما شيطن طرابلس وأظهرها شاذة على المجتمع اللبناني. وحالياً يريد لعكار أن تكون منفصلة. وكأن ثمة من يعيش في عقلية ما قبل لبنان الكبير. فرئيس الجمهورية أحال مجزرة عكار على ما قال إنه كان قد حذر منه سابقاً وهو: تحركات “جماعات متطرفة”، كأنما لبنان جنة لا تنغِّصها إلا تلك الجماعات الموهومة. وهذا يؤكد أن ديدن السلطة الرئاسية لا تدفن رأسها في الرمال فحسب، بل تريد أن تدفن اللبنانيين. وفي مقابل عون وباسيل، أخذ تيار المستقبل القضية إلى بعد سياسي، يبدأ من دعوة رئيس الجمهورية إلى الاستقالة. وهذا موقف يستثمره خصوم المستقبل لتعزيز النزعة الطائفية والمذهبية. وفي ظل موقف الحريري التصعيدي ضد عون، سارع ميقاتي إلى دعوة رؤساء الحكومة السابقين إلى اجتماع، للتخفيف من حدّة الموقف. وبيع هذا التخفيف لرئيس الجمهورية على طريق محاولات التشكيل. وفيما رفع الحريري السقف كثيراً ضد عون، جاء بيان الرؤساء أقل حدّة، فدعاه إلى ضرورة التعاون. وعلى قاعدة يستخدمها الأحمق في رمي السهام في الاتجاه نفسه، من دون تجديد وجهته، بدأ تقاذف التهم بين القوى المختلفة.وهذا يساهم في تدمير كل ما يرمز إلى دولة وطنية لبنانية وثمة من يحرق الجثث ويتاجر بالرماد. والدولة في ذاتها خارجة على القانون. إنها في عداد الدول المارقة. ولا مكان للناس تلجأ إليه. حتى الجيش أخطأ في طريقة إدارته المحروقات التي تخزنها المافيات. فهو بدعوته الناس إلى الحصول عيلها منه مجاناً، جرهّم إلى التدافع والتزاحم. وهذا قاد ويقود إلى سيناريو الفوضى الذي يدفع الناس للقبول بأي شيء. والوحش الذي اسمه الفوضى لا يمكن أحداً أن يسيطر عليه. يشبه الذين يقودون لبنان في هذه المرحلة الغربان: يتقاذفون التهم السود، ويمارسون سياسة التجهيل والمروق. ويصدّق الناس خداعهم المقيت. وهم لا يعاملون اللبنانيين كشعب أو كجماعات مقهورة. جماعات لم تتمكن من التصدي لقدرها الذي صنعته بأيديها، فتلوذ بقوى تحميها. غربان سياسة المروق وجماعات مقهورة تتبع الغربان أو تواليها على المستويات كلها. وهذا غالباً ما يقود إلى تفجر العنف. عنف يتحول إلى لون من ألوان التمرد، أو العنف ضد الذات والآخرين. عنف عدواني هائل، لكن القوى السياسية لا تزال تستثمره حتى الآن ضد الناس، بدلاً من أن تفجره الناس في وجه هذه القوى. لكنه قد ينفجر يوماً في وجهها.
المصدر: منير الربيع – المدن