يوميات مواطن في بلد منكوب.. متى يحتكر المهرّبون الهواء؟!
إنّها الثامنة صباحاً. كالعادة لا كهرباء، ولا مولد. فكرّت أن أتصل بصاحب الاشتراك وأعاتبه، وأشكو له سوء الحال، ولكن ترددت في اللحظة الأخيرة، فهو منذ أيام أكرمني بساعة من الضوء حينما أخبرته أنّ كل الأجهزة انطفأت وعملي تعطّل. وطبعاً لا بد من أن أحفظ ودّ هذه الساعة، وأن أتحلّى بالصبر وألاّ أفكر في المبلغ الذي أدفعه له شهرياً مقابل ساعات قليلة. عند الساعة الحادية عشرة، وبعدما تعايشت مع انقطاع الكهرباء، بدأت رحلة البحث عن البنزين. وكالعادة، كلّ المحطات مقفلة، إن لعدم توفّر المحروقات أو لتعرضها لاعتداءات. فعلى من أغضب؟ على صاحب المحطة الذي عبّء جيوبه لسنوات من “المدعوم”؟ أم على الثائر الذي ما إن أنهى سيجارته حتى قرر الاعتداء على المحطة.. ولم يترك لنا أيّ خيار إلاّ البحث عن “ابن حلال” يبيعنا غالوناً مغشوشاً من البنزين في السوق السوادء بأضعاف أضعاف السعر، ولكن غريب محرّك السيارة ما به أصبح صوته غريباً! وأنا أفكر في نوع البنزين الذي أصبح في خزان السيارة والصوت الغريب، يرّن الهاتف، لا غاز في المنزل. وهنا رحلة جديدة. ولم يعد لدي طاقة، فقررت الاستعانة بالـ”فيسبوك”، وسألت أين أجد الغاز؟ ولكن اللبناني مهضوم: فهناك من قال بالمصفاة؟ وآخر بالبلوك رقم 9.. ضحكت بملل. واستجمعت قوايَ وبدأت البحث دون فائدة كالعادة، فكان المجد للسوق السوادء. إنّها الساعة الخامسة، لا كهرباء، البنزين أوشك على النفاذ والسيارة ستنطفئ قريباً، أما الغاز فهو في الصندوق الخلفي. بقي الدواء. نزلت إلى إحدى الصيدليات وما إن فتحت الباب حتى بادرني صاحبها بكلمة “مقطوع”. سئمت الحال، وتذكرت الدواء الذي يتم شراؤه من تركيا، أجريت اتصالاتي، وكانت المفاجأة أنّ علبة الدواء التي كنت قد اشتريتها في لبنان بعد رفع الدعم بـ58 ألف ليرة، يبيعها التاجر الذي يأتي بها من تركيا بـ35$، أي ما يتخطّى الـ700 ألف. ولكن حتى هنا لا يحقّ لي الاعتراض، فالدولار دولار. والتاجر “كتر خيره”، يسعى لتأمين المقطوع ويحق له بهامش من الربح، وبين البائع والشاري “يفتح الله”. أعود للمنزل، وأبدأ عملي، والصلوات ترافقني كي تصمد بطاريتي الهاتف واللاب توب لساعات قليلة، فأنهي ما تراكم من الواجبات. فإن استطعت ذلك أشعر بالنصر. نعم، نحن في لبنان دائماً ما نحصد الانتصارات، إن مرّت ساعاتنا ونحن ما زلنا على قيد الحياة ننتصر، إن مرّ اليوم وقد تأمّن لنا البنزين والمازوت والغاز والدواء، ننتصر. إن استطعنا إنهاء العمل ننتصر، وفي عزّ كلّ هذه الانتصارات العظيمة نتنفس ونشكر الدولة الكريمة أنّ الهواء ما زال متوفراً لنا ولم يصل إلى السوق السوداء. وهكذا ينتهي يوماً جديداً من الأزمات، على أن نستفيق غداً على أزمات أخرى..
المصدر: نسرين مرعب – هنا لبنان