مقدمات الأخبار إنشاء بلا خبر
قبل أسبوعين، وفيما كنت أقلّب الأقنية المحلّية، للإطلاع على آخر الأخبار، جذبتني مقدمة طويلة
وكمشاهد متضلع من اللغة العربية، وكمتابع يومي لأحداث لبنان والعالم، لم أفهم لمن كانت تتوجّه مذيعة الأخبار؟ لأي شريحة من المشاهدين؟ وعمّن تتكلّم بتلك اللغة المقعّرة؟ ولأي “سيف دولة” تكيل هذا المديح؟
وبين المقدَّمات تتميّز مقدمة نشرة “الجديد” بأسلوب مريم البسّام المتمايز عن أساليب رؤساء تحريرالمحليين. وقد استقبلت حكومة ميقاتي على هذا النحو: “في يومها الأول رسخت حكومة نجيب ميقاتي صورة عن وزراء، بعضهم وصل “بلا حفاضات” وآخرون دخلوا بلداتهم على أزيز الرصاص الوزاري الطائش “وعلى الدار رجعوا صحاب الحميّة في طاريا” أما في شعث فإن الرصاص كان يسابق نحر الخراف لكن كل ذلك كان احتفاء بوزيرين لم يدخلا وزارتيهما بعد.”
وعرجت المقدمة على” براءة اختراع الوزير حجار بالاستغناء عن الكماليات كالحفاضات والكلينكس.. واستبدالها بمواد قابلة للتنظيف وإعادة الاستعمال وهي النبوءات الوزارية المستخرجة من “مؤخرات الأطفال” والمتأثرة بحكمة تدوير الزوايا للرئيس المؤسس نجيب ميقاتي…”
وفي واحدة من جولات التقاصف بين البسّام والزميل نديم قطيش أطلق عليها الأخير لقب “بنت خلدون” في إشارة إلى طول مقدمات نشرات “الجديد”، وبدورها لم تقصّر في “تخوين” قطيش، كلما لاحت لها فرصة التصويب عليه.
وتقدّم مقدمةُ “المنار” الإنشاء على الخبر. وأي أنشاء؟ ماذا يفهم المشاهد العادي، وليس المشاهد الإكسترا، عندما يسمع أن “جدولِ الاسعارِ معلقِ على النكدِ المعللِ من حاكمِ المال”؟ وفي كل كلام صادر عن مرشد الجمهورية الأعلى يفترض أن يفجّر كاتب المقدمة مواهبه الأدبية والمدفعية على هذا النحو “دكت مواقفُ الامينِ العام لحزب الله بالامسِ معاقلَ العدوِ السياسيةَ والامنيةَ والعسكريةَ ونقلت كيانَه الى درجةٍ اكثرَ تعقيداً من الارباكِ والعجزِ في الخياراتِ امامَ لبنانَ المحصَّنِ بمقاومتِه وثلاثيتِه في كلِّ زاويةٍ وكلِّ ارضٍ وفلاة..”.
أين الخبر البارز في مقدمات نارية تتعدى أحياناً ال 500 كلمة؟
ومن أوكل إلى مقدمي النشرات تقريع المواطنين حيناً والسياسيين في أكثر الأحيان؟
حتى لو امتدت طوابير الذل أمام محطات الوقود من أدما إلى النقاش إلى الرملة البيضاء إلى الحازمية فدور المذيع نقل الوقائع كما هي، لا إظهار براعته في فن الهجاء و”التسمسم” والتفجّع وإبراز حجم تأثّره بوجع المواطن المسحوق.
لماذا لا يدخلون في صلب الحدث والخبر بلا أخلاقيات ومطيّبات وبهارات ومقدمات ومهارات لفظية وعلامات تأثر؟ فأين نحن من الإعلام العالمي؟
دور المذيع أن ينقل الخبر باحتراف وموضوعية لا أن يتأثر بالخبر.
المصدر: عمر موراني – هنا لبنان