ثقة بطعم المازوت!

فعلاً عتّم الله قلوبكم وعقولكم، في هذه الدولة التي أكلها العفن، الى درجة غير مسبوقة في تاريخ الكهوف والعصر الحجري وقدْح الصوان، الذي كان امس على معظم النواب والوزراء ان يعرفوا كيف يقدحونه ويوقدون منه ناراً تنير عتمة “قصر الأونيسكو” لا عتمة عقولهم وقلوبهم، بعدما غرقت السلطتان التشريعية والتنفيذية الجديدة، في العتمة أربعين دقيقة، ريثما ارسلوا من يتسوّل لهم بضعة ليترات من المازوت للمولد المقطوع هناك لأن كهرباء الدولة مقطوعة طبعاً! مسخرة وفضيحة، ربما اكثر، فمعظم هؤلاء الذين تجمّعوا كوطاويط الليل في ساحة الأونيسكو الى ان تم تأمين المازوت، هم انفسهم الذين وافقوا سابقاً على مشاريع نهب لشركة الكهرباء،التي افلست الدولة . كان معروفاً أنه ستعقد جلسة الثقة بحكومة “معاً للإنقاذ”، ولكن لم يكن هناك من تذكّر ان مولّد الأونيسكو خالٍ من المازوت، وان شركة الخردة الكهربائية مقطوعة، وكان من الرائع ان تأكل العصابة السياسية الفاسدة هذا المقلب من العتمة الفضيحة، التي سيتحدث عنها العالم كدليل نادر على المدى الذي يمكن ان يصل اليه الفساد والتخلّف حكومة من هذا النوع تستحق مقلباً من هذا النوع، وبرلمان من هذا الطراز يستحق عتمة الخفافيش، وكل هذه المناسبة من خارج سياق هذا الوطن المذبوح، فهي مجرد مسرحية سمجة لمنح الثقة لحكومة لا تستحي عندما تتوّج نفسها بعنوان الإنقاذ، ولم يكن هناك من ينقذ ماء الوجوه ويمسحها بقليل من المازوت. وما علاقة هذه الشعوب اللبنانية الغشيمة التي تتكوّم صفوفاً من الهبل أمام محطات البنزين، بدلاً من ان تبدأ مطاردة افراد العصابة الفاسدة بالعصي والنار والحجارة. فعلاً ما علاقة هذه الكمية من البشر، بكل ما جرى امس في الأونيسكو تحت عنوان جلسة منح الثقة للحكومة، إذا كان معظم النواب والوزراء خرجوا من الرحم إياه، الرحم السياسي الفاسد الذي أوصل لبنان الى جحيم لا خروج منه. ليس من حاجة قطعاً الى الحديث عن المناقشات والثقة وعدم الثقة، يكفي ان يتوقف المرء امام جملة واحدة في البيان الوزاري، عندما دعا ميقاتي مثلاً الى “تنشيط الدورة الاقتصادية”، والدولة، نواباً ووزراء، عاجزة عن تنشيط دورة مولد الكهرباء في الأونيسكو، والأنكى من كل هذا، الدعوة الى “إقفال المعابر الغير شرعية ومراقبة الشرعية منها”، ومتى يا طويل البال، بعدما قرأنا ان باخرة المازوت الإيرانية الثالثة ابحرت في اتجاه سوريا، حيث ستقوم السيترنات غداً بنقل البضاعة عبر المعابر الى لبنان. والأغرب، اولاً هو الحديث عن إصلاح القطاع المصرفي، بدلاً من الحديث عن اصلاح الدولة الفاسدة المدينة بالمليارات لهذا القطاع، وثانياً التنطح بالحديث عن تنشيط الاقتصاد وعن سياسة لسد الثغرات الاجتماعية، في حين يعلو الصراخ في الأونيسكو: تنكة مازوت للمولد يا محسنين!

المصدر: راجح خوري – صحيفة النهار

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us