الديمقراطية “مبهبطة” علينا

عام 1996، سلّمني رجلٌ أشيب واحداً من المظاريف التي كان يحملها وقال لي: “هذا من المرشّح النائب نسيب لحّود”. ولم تكن هناك معرفةٌ سابقةٌ بيني وبين لحود. فتحت المظروف لأجد مجموعة مواقفٍ مختصرةٍ للحود في السنوات الخمس التي أمضاها في المجلس، ومجموعة أفكار للمستقبل وعلى أساسها طلب تجديد انتخابه. كنت سنتئذٍ من سكان المتن ومن ناخبي بيروت الكبرى وإلّا لانتخبت لحّود من دون تردد كشخصية معارضة ونزيهة وغير تقليدية. وفي العام 2000 أسرّ النائب ميشال المر لأحد الصّحافيين أنه دفع 750 ألف دولار لحجز كلّ السيارات العمومية العاملة في المتن للائحته وأردف قائلاً: “بدي أعرف كيف نسيب رح يتحرّك يوم الإنتخابات”. بصعوبةٍ فاز لحود فيما تقدّم عليه نسيبه “الغرّ” السياسي إميل جونيور، بأربعة آلاف صوت. في حزيران من العام 2002، وعقب وفاة النائب ألبير مخيبر، دارت معركة انتخابية شرسة على المقعد الشاغر بين ميرنا ميشال المر وعمّها غبريال، أي بين ميشال وشقيقه. فاز غبريال ودخل إلى البرلمان، لكنه بعد فترة وجيزة أبلغ “دولتو” المحيطين به أن الطعن صار جاهزاً في جيبه. وطوال فترة نيابة غبريال القصيرة لم تطأ قدما شقيقه الكبير عتبة البرلمان الديمقراطية فبمفهوم ميشال المر، أن العين لا تعلو على الحاجب. في ال 2005 خسر نسيب لحود مقعده النيابي. لم يقفل بيته غاضباً ولا شتمت زوجته المقرّبين منه ولم يطفئ أنوار بيته، لم يتهّم خصومه بشتى الإتهامات، وجسمهم لبّيس. بل اكتفى بشكر المتنيين وانحنى أمام خيار الناخبين. ميشال المر ونسيب لحّود نموذجان واضحان أيّهما جسّد الديمقراطية في حياته وممارساته؟ وأيُّ حزبٍ، وأيُّ حركةٍ وأيُّ حراكٍ يمارس الديمقراطية الصحيحة؟ هل حجز اللوحات الانتخابية على كل الطرقات العامة في المحافظات الست حتى حزيران المقبل لمرشحين مغمورين ( بالمال) عمل ديمقراطي وقانوني تحت سقف الإنفاق الإنتخابي؟ وكيف لمسؤولي حزبٍ ضالعٍ في حروبٍ خارجيةٍ واغتيالات داخلية وطالع من رحم أسوأ نظام توتاليتاري في العالم، أو ثاني أسوأ نظام، بعد كوريا الشمالية، التحدث عن حرمان مرشحيهم من حقهم الديمقراطي بالقيام بدعاية إنتخابية في أوروبا وأميركا؟ ذات يومٍ غرّد الوسيم جبران باسيل:“لدينا شيء جميل جداً يدعى ديمقراطية توافقية”، وهذه الديمقراطية الجميلة أنجبت قوانين انتخاباتٍ تتبدّل مع تبدُّل موازين القوى وأنجبت ما يُعرف بالترويكا، وأصابت مؤسّسات الدولة بالشلل وتسببت بفراغ حكومي دام 696 يوماً. وأفضال التوافقية لا تعدّ ولا تُحصى. وأجمل من تغريدة جبران ما قاله لي بيار صداق في ثمانينيات القرن الماضي “أن الديمقراطية، بكل تجلّياتها، وأوجهها، مبهبطة علينا”.

المصدر : عمر موراني – هنا لبنان

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us