الفتنة الجديدة بتقويض القضاء!
ثمة في مخزون الذاكرة “الحربية” للبنانيين حقيقة لا تزال صادمة حتى يومنا هذا وهي مثبتة ومن حقائق مسببات الحرب في بعدها “الأهلي” والطائفي تحديدا قبل البعد المتصل بالمواجهات التي خاضتها فئات لبنانية مع “الآخرين”. هذه الحقيقة تتصل بما تعرض له الجيش اللبناني من استهدافات وحملات وتوظيف انتهت جميعها باقتحام الانقسامات العمودية الطائفية بنيته وهيكليته وصفوفه فانفجر بتقسيم هو الأسوأ من كل الانقسامات التي انهارت معها جمهورية الاستقلال الأول وكل معالم لبنان الازدهار بحرب ولا أبشع. ما يعنينا اليوم ان ننبه من يتعين عليهم ان يكونوا أكثر من متنبهين من أصحاب الشأن سواء في السلطة السياسية او في السلطة القضائية إلى أخطر الاخطار التي بدأت تحدق بلبنان انطلاقا من بوابته القضائية هذه المرة. ثمة أكثر من الشبهة والريبة في ان الجهات التي تحركها غرف عمليات لتقويض لبنان، والتي انقضت على الكثير من المؤسسات وعطلتها او سخرتها لمآربها وارتباطاتها، تنبري الان مستفيدة من الكثير من ظروف الفوضى التي احدثتها لاطلاق رصاصة الرحمة على القضاء من خلال اقحامه في عوامل الشرذمة السياسية والطائفية والضغط بكل الوسائل المتاحة لشله وتقسيمه والاجهاز عليه. كان انقسام الجيش وشله وتشرذمه إلى الوية طائفية ومذهبية ومناطقية عنوان انفجار لبنان عام 1975. والأخطر ان تتحول المحاولات المستميتة لاجهاض التحقيق العدلي في أحد اكبر الانفجارات الذي شهده لبنان والعالم في مرفأ بيروت عنوانا لفحيح مؤامرة مخيفة على القضاء بما يقوض كل ما تبقى من عوامل لاستنهاض مشروع دولة لبنانية ذهبت ادراج الانهيارات والوصايات المباشرة والوسيطة على ايدي لبنانيين. هذا الجاري بعد حرب منهجية لاسقاط المحقق العدلي مهما كلف الأمر، حتى الفتنة كما حاولوا اشعالها من شوارع الطيونة وعين الرمانة، ينذر بان تنحية المحقق العدلي لم يعد سوى بند في بنك اهداف أوسع وأخطر عنوانه الانقضاض على القضاء لانجاز الاجهاز على الدولة وتعميم “الفوضى البناءة” وإقامة ما يحلو لاصحاب هذا النمط والإدمان على تقويض الدول ما يستطيب لهم اقامته على الأنقاض. ولعل الأمر لم يعد متصلا بمجريات التحقيق العدلي وما يبدو انه توصل اليه وكشفه من محرمات في انفجار المرفأ بل اتسع إلى الأفق الأبعد بحيث يصيب مجموعة اهداف دفعة واحدة بإسقاط التحقيق العدلي كله. فاغراق العدلية بالفوضى والانقسامات والتحزبات بعد “زيارات الترهيب والوعيد”، يعني بكل خطورة ان الرهان على دولة حقيقية إصلاحية صامدة في وجه الاستباحة يكون قد سقط نهائيا. وان نجاح مؤامرة اسقاط التحقيق سيعني اسقاط القضاء واشتعال العد العكسي لفتنة كبيرة مخيفة اين منها تجارب الفتن “التاريخية” السابقة. لم نر بعد ما يخيف المندفعين نحو هذا الهدف “الجليل”!
المصدر: نبيل بومنصف – صحيفة النهار